المشاركات

عرض المشاركات من 2020

امرأة قوية

صورة
   حينما أسمع "امرأة قوية" يقفز لذهني ذلك المشهد الصامت المتسرب من الطفولة لامرأة مسنة بملامح قاسية يستند ظهرها على الحائط، منطفئة تمامًا كما لو أن الحياة قررت أن تتوقف بداخلها لتتركها جسد متصنم يحدق في الفراغ. جدتي كانت أكثر البشر صلابة وقوة، كان أبي وأعمامي يخبروني بقصصها التي ظننت أنها حكايات خيالية، فجميع النساء في ذلك الوقت لم يكونوا مثلها، وحين أتساءل يتكرر ذلك الجواب "جدتك رجال" ينسبونها إلى الرجال حينما يصفون قوتها، كان أبي وأعمامي يشاهدون نسائهم وفتياتهم كنساء لكن جدتي تخرج من تلك النظرة، إنها أقرب لمخلوق أسطوري. امتد الأمر لكل من يعرفها ويشاهد أثرها على ملامحنا، أتذكر ذلك المسن من أقاربها في العزاء بدأ يسرد لنا قصصها في صباها حين حملت البندقية لتقاتل مع الرجال، كيف أنها في أحد الأيام حين غدر بهم أحد قطاع الطرق ولم يكن معها سلاح أخذت عمود الخيمة لتدافع به. وذلك الآخر الذي يخبرنا أنها كانت كل يوم تخرج مع أطفالها لمدرستهم وللمسجد وتحرص على العودة بهم إلى المنزل، وكيف أنها تقف مع العمال في بناء منزلها وتشرف عليه بنفسها ولم تطلب المساعدة من أحد، كنت أشعر أنهم ي...

صورة المرأة في الأدب والفن

صورة
    مرت أسابيع وأنا أقرأ مذكرات سيلفيا شعرت وأنا أقرأها بشعور مُهيب، كيف لامرأة من القرن الماضي عاشت وماتت في قارة تبعد عني بعد المشرق عن المغرب، أن تفهم أفكاري ومخاوفي ومشاعري وكأنها تتلصّص علي من مكان وزمن مختلف لتكتب عني لا عنها!  راودني ذات الشعور مع مذكرات سيمون "فتاة ملتزمة" ومع مذكرات إِليف شفق "حليب أسود" جميعها كانت مذكرات لنساء يختلفن معي باللغة والثقافة ونتباعد زمنياً ومكانياً لكن بطريقة ما أشعر أن هناك خيوط رفيعة تربطني بهم.  يحدث الأمر ذاته حين أتفحص بشكل عشوائي حسابات بعض النساء التي تكون بعيدة عن الضجيج وأنوار الشهرة، من يتَّخِذن ركناً قصِيًّا ليكتبن فيه عن أنفسهن، فأجد نفسي بوسط تلك الكلمات، أفهم غضبهم ومخاوفهم، أشعر بحبهم وغيرتهم، أُدرك مقاومتهم لفقدان الأمل ومحاولاتهم العابثة لترميم الذات.   بعد الانتهاء من مذكراتها كتبت عنها بحسابي على تويتر، فنصحني أحد المتابعين بفيلم يحكي عنها، توجهت مباشرة لمتابعته لكن الصدمة أن الفيلم صنع نسخة واحد من سيلفيا النسخة الأسوأ، صورها كامرأة غيورة ناقمة غاضبة، تجاهل جميع صراعاتها، تجاهل رحلة محاولاتها لفهم ...

بقعة سوداء عالقة في الذاكرة

صورة
         يحترق جسدك داخل مكان مغلق ولا يوجد إلا باب واحد للخروج، يقف أمام الباب رجل مجنون لا يتزحزح عن مكانه يحاول إبقائك داخل النيران، بحجة أنك لا ترتدي "قبعة"!  وحين تقاوم وتحاول الهروب من الموت يقف لك بالمرصاد ويدفعك للجحيم لتعود وتحترق لأجل قطعة قماش يقدسها أكثر من روحك، ويعتبرها بطاقة عبورك ونجاتك من الموت، وأي محاولة إنسانية خارجية تقترب لمساعدتك تُعتبر إثم وجريمة في دستوره، تشاهد من معك بالداخل يختنقون ويذوبون وسط النيران كأوراق متطايرة، تصاب بالذعر فترمي بنفسك من النافذة للنجاة، يقف الجميع في الخارج صمٌ بكمٌ غير مبالين لاستغاثاتك وصرخاتك، وقبل أن ترتطم بالأرض تسمع هتافات الحمقى "ليحترق ولا تسقط عن رأسه القبعة المقدسة" تلاقي حتفك لأجل أن تحافظ على قداسة أفكارهم الملوثة بالدماء.            هذا ما حدث في عام 2002 لمدرسة المتوسطة للبنات في مكة، قتلت خمسة عشرة طالبة وأصيبت خمسين أخريات تتراوح أعمارهن بين الثانية عشرة والسابعة عشرة، بسب حريق كان من الممكن إنقاذهم، لكنهم أُجبروا على البقاء داخل المدرسة المشتعلة ولم يسمحوا لهن ...

مواعيدي مع الموت

صورة
منذ لحظة لقائي بالحياة وأنا على مواعيد مستمرة مع الموت، كنت على حافة العدم مرتين.  ‏المرة الأولى وأنا ابلغ من العمر ثلاثة أشهر طاف شبح الموت حولي، وطاف بي أبي سبعين طوافاً حول المشافي، استنجد بكل طبيب، لكنهم كانوا زمرةً ماكرة يّوحى إليهم من شيطانٍ مكيد، ألقى على ألسنتهم تعويذة الموت "لن تعيش طويلاً"  بدأت طبول الخيبة تُقرع، وطقوس الفقد تمارس فوق جسدي، حتى حضرت تلك العجوز  وأخذت تتفحصني كخرقة بالية بين كفّيها وتمسح جسدي بأوراق سدر محترقة، وتلقي بالآيات والتعاويذ لتطرد أشباح العالم السفلي من حولي.  لا أحد يعلم كيف نجوت بعد ذلك اليوم، هل تلك المسنة منحتني سنواتها المتبقية، أو تلك الأوراق الخضراء وهبتني سر الحياة قبل أن تحترق! المرة الثانية حين رأيت البحر لأول مرة وأنا سبع سنوات، لفرط حبي قررت أن أعانقه، دخلت البحر وخيَّل لي أنني قطرة ماء وأن البحر موطني الأم وأن روحي الإنسيابية خلقتها آلهة البحر.  رأيت النجوم ترقص تشع تحت الماء، لم أشعر بعدها إلا بيداً قوية تنتزعني من أعجوبتي المائية وتعيدني للأرض الملعونة.  لحظة أنقذني أبي من الغرق ظن أني فارقت الحياة وأنا كن...

العلاقات بين الجنسين

صورة
   بنظرة متفحصة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي سنجد أكثر الموضوعات تداولاً هي "العلاقات بين الجنسين" المفارقة أن أغلب تلك العلاقات يغلب عليها السُمّية، والنصائح المتصدرة من الإستشارات على CuriousCat قائمة على التحريض والإنفصال أو على سرديات لعلاقات مؤذيّة! بالرغم من غرقنا بالعلاقات وهوسنا بها إلا أننا أقل فهم لماهيتها، تعود أسباب امتلاكنا مصادر سيئة لفهم العلاقات إلى: أولاً: العلاقات بين الجنسين في ثقافتنا قائمة على القانون شرعي لا على الإلتزام الأخلاقي، والقانون تتمثل مهمته في الردع لا التعليم، والأخلاق تحتاج إلى تعلم وفهم حتى تردع الإنسان، وبالتالي نشأ مجتمع مهمتهم إتباع القواعد والسلوك لا الإلتزام أخلاقياً. ثانياً: إنعدام التفكير الأخلاقي جعل أساس التواصل بين الجنسين قائم على إنعدام الثقة، والتجرد من احترم الاخر، علاقات قائمة على اللذة المؤقتة التي يمكن إنهاؤها متى نشاء بلا إلتزامات أخلاقية ولا تحمل آثاراً جانبية. ثالثاً : العلاقات ترتكز على معادلة "اختلال توازن القوى" أحدى طرفيها المانح المُستغِل، و الآخر العاجز الاتكالي،  وبناءاً على ذلك المفهوم استمر المجتم...

هل أخطأ الإله حين منح النساء عقول

صورة
"اليوم فقدت عملي، هنا لا يهم أن تفقد المرأة عملها فهو مجرد تسلية، لا ينظر لعملنا ودراستنا بالنظرة الجادّة كما ينظر لأعمالهم" هذا ما قالته صديقتي بعد أن فقدت عملها خلال أزمة كورونا، فما كان من زوجها إلا أن يمنحها تلك المواساة الباردة "وظيفتك على أيّةِ حال لم تكن مهمة وفقدانها خيرة لأجل أن يتسنّى لك العناية بالأطفال"     موقف صديقتي أعاد لي شي من ذكريات الطفولة، في طفولتي كان من عادة أبي وعمي إجراء مسابقات تعليمية بين الأطفال، كان الفوز في الأغلب من نصيبي كنت قادرة على هزيمة حتى الأكبر مني سناً من الصبيان، كنت أشاهد نظرة الفخر بعين أبي بالرغم أنه فخر باهِت، وأسمع صوت عمي يتردد "ليت الله عطى عقلها لواحد من خوانها" شعرت أنه يحاول سرقة جزء مني، وكأنه يطلب أن أنتزع أحد أعضائي لعدم استحقاقي لها، فحين تكون الملكية للمرأة يصبحون اشتراكيين وحين تكون للرجل يتحولون لرأسماليين.  حاولت طوال عمري احارب لأثبت أحقيتي لهذا العقل كطير يحلق كل يوم بلا هدف ليثبت للعالم أحقيته بالطيران، لكن محاولاتي اشبه بنقل صوتي عبر الفراغ، سحقت ذاتي في مجتمع يهدر طاقة النساء ثم يلومهم على ذل...

الأخلاق النسوية

صورة
     ما دفعني لكتابة هذا المقالة والبحث عن موضوع "الأخلاق النسوية" هي قصة الشيخة/ جوزاء بندر التمياط، تلك السيدة النبيلة كانت من أشهر نساء حائل في القرن الماضي، عُرفت بحكمتها وكرمها ونبلها وقوة شخصيتها، كانت امرأة محبة قوية ومؤثرة في مجتمعها، كان لها مجلسها الخاص جيثُ يجتمع فيه رجال قبيلتها ونسائهم، و يلجؤون إليها لحل مشاكلهم ومساعدة المحتاجين وعتق الرقاب.  بعد وفاة زوجها سعود الرشيد تزوجت من فهد بن هذال وحينما أدرك حسن أفعالها وكرمها لدرجة مساواتها له بالنبل بادر بطلاقها، وحينما سئل عن سبب الطلاق أجاب بلهجته "ما يجتمع شيخين في بيتٍ واحد".  التعليق المعتادة على تلك القصص "الرجال ما يملى عينهم إلاّ تراب" لكنني لا أريد أن أكتب أو أفكر بطريقة اعتيادية، لذا حاولت أن أفهم لماذا لا نتساوى في الأخلاق؟  لماذا هناك قصص تحكي عن كرم ونبل الرجال، بينما النساء يحكى عنهم قصص الحياء والصبر والتضحية بالنفس لأجل الآخر؟ لماذا هناك أخلاق تعتبر فضيلة حين توصف بها النساء لكنها حينما تنسب للرجال تعتبر رذيلة؟ كالحياء والرعاية والمرونة والعطف وغيرها.. أن الأخلاق ترتكز بشكل أساسي ...

نظرة نسوية خاصة

صورة
    بغض النظر عن اختلافاتنا الإجتماعية والإقتصادية وطبيعة المكان الذي نشأنا فيه إلا أن كل شخص يمتلك رؤيته الخاصة التي تكونت من تجاربه وظروفه.  ينطبق الأمر ذاته على النسوية، أعتقد كل امرأة تمتلك نظرة نسوية خاصة بها، بالطبع أننا نتشارك النقاط المحورية ولكننا نختلف في التفاصيل الصغيرة تلك التي تنتج من نظرتنا الخاصة وتصوراتنا عن الحياة وطبيعة مجتمعاتنا. الاختلافات الصغيرة برغم من بساطتها إلا أن البعض لا يتقبلها ويحولها إلى جدالات كبرى، فبعض النساء تعتقد أنها تملك أوسمة الشرف النسوي لتمنحها من تشاء من النساء، توظف الخطاب النسوي ليس لخدمة النساء وقضاياهم بل لتسكت الاخريات، تستخدم السلطة النسوية كسلاح يوجه لكل من تريد النيل منه، تحول النسوية من حركة ثقافية وقوى اجتماعية إلى عمل سطحي غايته فقط الإنتصارات الوهمية. الحركات الاجتماعية لم توجد لأجل التقديس والتبجيل، البشر لم يثورون طوال التاريخ لأجل خلق المزيد من القيود بل للتحرر وحل مشكلات الواقع، وهذا سبب نشأة النسوية الغربية التي انطلقت من واقعها لحل مشكلاتها، والنسوية الإفريقية والهندية كذلك حين لم تكن النظريات النسوية الغربية كا...

الحب خليط من القداسة والحقارة

صورة
    العواطف الأساسية لدى الجنس البشري كالخوف والغضب والدهشة والحزن والفرح والاشمئزاز تشكلت بالإنتخاب الطبيعي دون أن تتعلمها، توجد بشكل تلقائي لدى الشخص منذ ولادته.  لكن عاطفة مثل الحب تعتبر عاطفة مركبة تتكون فيما بعد، ويتطلب وجودها لوعي، وهذه إحدى الأسباب التي أسبغت على الحب الغموض والدهشة، فهو من العواطف التي تتحكم بنا ولا نستطيع التخلص من سطوتها.  فقديمًا ارتقى الحب لمنزلة القداسة والألوهية، في ذلك الزمان كان كل شيء غامض ومجهول هو مقدس بالضرورة، فكيف بمشاعر تسيطر على الإنسان وتحركه بدون إرادته؟ كان هناك أساطير عديدة لتفسير الحب، أقربها لقلبي "أن البشر فيما مضى كانوا مخلوقات ذات ‏أربعة أذرع وأربعة أرجل ووجهين.  ‏وذات يوم أغضبوا الآلهة، فشطر (زيوس) كل واحد منهم إلى إثنين، ومنذ ذلك الوقت، فقد كل شخص نصفه أو نصفها الآخر".  ‏كانت تلك الاسطورة لأفلاطون فالحب في اعتقاده يتحقق حين تجد نصفك وكأن الحب يجعلنا مكتملين. ‏الفلاسفة القدماء تفسيراتهم للحب كانت خيالية وأسطورية لكنها تحمل معاني جميلة، بينما من جاء بعدهم كانوا على النقيض، نزعوا عنه قداسته وجماله وجردوه وأصب...

آين راند عدوة النسوية الخائنة لجنسها

صورة
     آين راند من اكثر الشخصيات جدلاً في القرن العشرين، ألهمت جيلاً كاملاً من الأمركيّين، ففي عام 1991م اعتبرت روايتها" Atlas Shrugged ثاني أكثر الكتب تأثيراً بعد الإنجيل. فقد أثارت زوبعة حينما اعتبرت الأنانية فضيلة، والإيثار رذيلة، والرأسمالية أعلى الإنجازات البشرية. حينها وكما استغل النازيون فلسفة نيتشه؛ استغل اليمينيين المتطرفين فلسفتها. كتبت آين راند في مذكراتها " كان لدي خلاف مع الفلسفة وقواعدها الأخلاقية فكان علي أن أؤسس تفكيري الخاص" أسست فلسفتها التي سمتها بـ "الموضوعانية" Objectivism  وتنص فلسفتها على ان الواقع موجود بشكل مطلق وموضوعي، ومنفصل عن الوعي والمشاعر والرغبات، فهو موجود كما هو وليس كما نريد أن يكون، وتنمي الانسان خلاف ذلك لن يغيره. والعقل هو الوسيلة التي يملكها الإنسان لفهم ذلك الواقع، ليس وظيفة العقل خلق واقع جديد بل فهم الواقع الموجود. الأخلاق في اعتقادها لا ترتكز على الإيمان ولا على الأهواء العشوائية ولا القوانين التعسفية ولا العواطف، وإنما على العقل ويمكن إثباتها بواسطة المنطق.  والإنسان غاية في ذاته وليس وسيلة لغايات الآخرين يعيش لنفسه و...

المرأة الذكورية العائق ضد تحرير ذاتها

صورة
        تبدأ الحكاية من أول أسطورة تتغذى بها عقولنا حول النساء، ففي الأساطير جميع النساء جميلات لكنهن ساذجات، ثرثارات، لا يملكون أي قدرة سوى التوسل والبكاء، وإن ملكنا القدرة فهي تتجسد في الشر وتتمحور في الغيرة والكيد، ولا تعمل عقولهن إلا من خلال المكر والخداع، حتى أخلاقهن فهي كما يصفها نيتشه أخلاق الضعفاء والعبيد. صورة المرأة كانت تتجسد في خطين متوازيين، التقديس والتدنيس. فالتقديس لن تناله المرأة حتى تحول نفسها لأداة للولادة وترتفع قيمتها بدرجة خصوبتها، أو أن تكون كالدمية تتجرد من صفاتها البشرية تتحول لكائن اسطوري، تُصبغ بالمثالية وتجبر على التضحية والتفاني والعطاء. أما التدنيس فهو الشرف الذكوري الذي تناله جميع النساء فأجسادهم رمز للظلال والفتنة، وهذا الشرف لن تناله إلا من خلال الستر. ثم يأتي التحليل النفسي الفرويدي ليتوج تلك الخرافة بوهم المعرفة ويجعل جوهر المرأة "عبادة القضيب" وطبيعتها "المازوشية"! لم ينصف احد المرأة ويخرجها من تلك القوالب والأنماط إلا العلم فهو الحاكم العادل الذي يتساوى الجميع في محاربه. وبرغم نسف العلم لكل تلك الصورة النمطية التحقيرية حول طبيعة ...

هل النسويّة فكرة غربية والنساء فالشرق لم يعرفن المساواة وماهية حقوقهم

صورة
    "في الرابعة عشر من عمري سمعت لأول مرة كلمة نسوية حين وصفني بها صديقي كشتيمة أثناء النقاش، لم أكن حينها اعرف ما معنى تلك الكلمة، تطلب مني الأمر أن ابحث عن ما تعنيه حين عثرت على معناها قررت بكل فخر أن أصف نفسي بها.  بعدها بسنوات عند نشر أول رواية لي أخبرني الناشر أنها رواية نسوية ونصحني بتغييرها فالنسوية تعني النساء الوحيدات التعيسات لكنني لم أكن تعيسة ولا وحيدة! فتوجب علي إعادة تعريف نفسي (بالنسوية السعيدة)  بعد نشر الرواية وصل لي العديد من الإنتقادات: النسوية فكر تغريبي، كره الرجال، إفساد القيم، مسترجلة... توجب علي وقتها تعريف نفسي من جديد (بنسوية سعيدة أفريقية لا تكره الرجال وتضع أحمر الشفاه)   وكان في كل مرة يصل لي نقد أضيف كلمة جديدة للتعريف عن نفسي، في نهاية الأمر أصبح علي قبل أن أقول من أنا أسرد لهم قائمة طويلة لتبرير نسويتي" النص السابق للكاتبة تشيماماندا انجوي اديتشي.  أعتقد جميعاً مررنا بما مرت به فحين نقول عن أنفسنا نسويات يصل لنا نفس تلك الإنتقادات والإعتقادات الخاطئة حول هويتنا النسوية. "النسوية غربية" لا اعلم كيف أن تلك الحجة الغبية الم...

مقبرة العدم الجماعية لنساء

صورة
  لأيام وأنا أبحث لماذا كان لون العباءة أسود، ولماذا الإصرار على بقائها سوداء، ولماذا هناك رفض لكل محاولة لتغير لونها؟ طوال التاريخ العربي كان اللون الأسود يمثل المقبرة المظلمة التي يتم إسقاط كل الأمور السيئة فيها، فالحزن والفقر والكراهية والحقد والموت كلها ترمز بالسواد، حتى الأشخاص الأشرار والظالمين والسحرة يُشار إليهم بذوي القلوب السوداء. اما الأبيض فكان على العكس يرمز للخير والنور والسعادة والعدل، واليد البيضاء عند العرب تدل على الإنعام والإحسان، "أبيض الوجه" أي نقي السريرة، هنا العرب لا يقصدون لون البشرة بل رمزية اللون ودلالته. في ثقافتنا ثنائية الأبيض والأسود هي الحضور والغياب، العدم والوجود، الرجل والمرأة. فالرجل بثيابه البيضاء هو كناية عن النور، والمرأة تمثيل لغياب النور، هو الوجود وهي الغياب عن الوجود. العباءة السوداء هي رمز خفي لإنكار وجود المرأة، هي مقبرة العدم الجماعية التي ترسل إليها كل النساء، ولم تكن تكفي لطمس وجودنا حتى طالبوا بالنقاب ثم تغطية العيون ثم القفازات، لم يهدأ لهم بال حتى وصل اقصى تطرفهم لطمس كل جزء من المرأة بالسواد حتى صوتها كتم لأنه عورة!! في الث...

امرأة تسحب العالم كله نحوها

صورة
      ما تدركه عقولنا اليوم صنع من خلال الرجال، الأديان، اللغة، التاريخ، الفلسفة، والأيدولوجيات، الحروب، الإقتصاد كلها نتاج العقل الذكري، فحين قرر الرجال خلق الدين قتلوا العقل، وحين قرروا خلق الفلسفة قتلوا الغريزة، وحين خلق العلم قُتلت الروح، وحين خلق المال قتل الإنسان.لطالما كانوا يدورون في حلقاتهم المفرغة تارة يقدسون العقل وتارة يقتلونه، يقدسون الجنس وتارة يحقرونه. كنت أتساءل أين كانت النساء خلال تلك الصراعات الذكورية؟ تم اقصائهم وحكم عليهن بالمراقبة دون التفاعل، لكن ذلك الإقصاء كان طوق النجاة للنساء، النساء نجوا من التفكير الذي قلب الموازين، مراقبتهم للجوانب الصغيرة التافهة مكنتهم من ملاحظة التعقيدات الهائلة، وحّد بين الفكر والشعور لديهن. "جيمس باري" تلك الطبيبة المتنكرة بملابس الرجال، تخلت في غرفة العمليات للحظة عن كل ما تعلمته من الرجال، وآمنت بذلك الصوت الداخلي الذي همس لها أنها تستطيع انقاذ الجنين وأمه، وبذلك تكون أول من استطاع تغير الطب الحديث لتنقذ الملايين من النساء خلال العمليات القيصرية. ذلك الصوت الداخلي هو أيضاً من أوحى لتلك النسوة في العصور الوسطى لمعرفة ال...

لتتحرر .. لا تخلص

صورة
لا أحب أن تُقدس الكتب، وتتحول المكاتب إلى معابد، والكتّاب إلى آلِهة، أكره كل ذلك الهراء حول الإعتكاف والإعتزال بالكتب.  نعم، أنا مصابة بمرض الفضول المعرفي الهائل، ولدي شغف مخيف لابتلاع كل تلك الكتب. في طفولتي كان كل ما تصله يدي تلتهمه عيني، كنت أعقد صفقات لتبادل الألعاب بالكتب.  لكن برغم من كل ذلك لم أكن ممن يتغزل بالكتب، ولا ممن يعلق صور المفكرين ويطوف حول أفكارهم ويحفظ كلماتهم كتعاويذ. إن علاقتي بالكتب صداقة، لا. أنا كاذبة! إنني برغماتية لعينة ابنة عصري المادي، الكتب وسيلة لغاياتي فأنا استبدلهم باستمرار كملابسي، لا أقيم علاقات غرامية مع الكتب كالمهووسين. اتذكر حين أخبرني صديق أنه مذهول من قدرتي السريعة والمرنة على ابتلاع كل الأفكار والتلاعب بها! أتعلمون أين هو السر؟  عدم الاخلاص. الاخلاص والولاء يقيدك يجعلك عبداً للفكرة، حين تؤمن بالفكرة وتُخلص لها فأنت تتحول لكلب مطيع، وتُحبس في عقل صاحبها كفكرة قديمة تموت وتنسى. العلاقة النفعية القائمة على عدم الولاء تجعلك تتقبل كل الأفكار، تزيل كل الحواجز الوهمية، تتحول جميعها إلى عجينة لينة بيدك، تستطيع بلا تأنيب ضمير انتقاد ماتشاء،...