هل أخطأ الإله حين منح النساء عقول
"اليوم فقدت عملي، هنا لا يهم أن تفقد المرأة عملها فهو مجرد تسلية، لا ينظر لعملنا ودراستنا بالنظرة الجادّة كما ينظر لأعمالهم" هذا ما قالته صديقتي بعد أن فقدت عملها خلال أزمة كورونا، فما كان من زوجها إلا أن يمنحها تلك المواساة الباردة "وظيفتك على أيّةِ حال لم تكن مهمة وفقدانها خيرة لأجل أن يتسنّى لك العناية بالأطفال"
موقف صديقتي أعاد لي شي من ذكريات الطفولة، في طفولتي كان من عادة أبي وعمي إجراء مسابقات تعليمية بين الأطفال، كان الفوز في الأغلب من نصيبي كنت قادرة على هزيمة حتى الأكبر مني سناً من الصبيان، كنت أشاهد نظرة الفخر بعين أبي بالرغم أنه فخر باهِت، وأسمع صوت عمي يتردد "ليت الله عطى عقلها لواحد من خوانها" شعرت أنه يحاول سرقة جزء مني، وكأنه يطلب أن أنتزع أحد أعضائي لعدم استحقاقي لها، فحين تكون الملكية للمرأة يصبحون اشتراكيين وحين تكون للرجل يتحولون لرأسماليين. حاولت طوال عمري احارب لأثبت أحقيتي لهذا العقل كطير يحلق كل يوم بلا هدف ليثبت للعالم أحقيته بالطيران، لكن محاولاتي اشبه بنقل صوتي عبر الفراغ، سحقت ذاتي في مجتمع يهدر طاقة النساء ثم يلومهم على ذلك!
فالواقع أن المجتمع الذى تعيش فيه المرأة هو الذى يحدد قيمتها ويشكل تصورها لذاتها، فالعمل والاجتهاد سمات ذكورية، بقاء الرجل بلا عمل يعتبر من الكبائر بل أنه يستنقص من ذكوريته، بينما المرأة تحدد قيمتها من خلال عمل زوجها، عملها ليس إلا حاجة ثانوية لتضيع الفراغ، ودراستها غير مهمة مثل أخيها فنهايتها الزواج فلم التعب، تلك النظرة تؤثر على كلا الجنسين فتثقل كاهل الرجل وتسحقه، وتسلب قدرة المرأة وتجعل منها كائن إتكالي عديم النفع. ومهما اجتهدت المرأة وتفوقت سيبقى ينظر لها بدرجة أقل، فالوظائف الممنوحة لنساء وظائف بأدوار مهمشة غير مهمة، أجور منخفضة مع ساعات عمل مضاعفة، يسند لهن المهام التافهة التي لا تقدم خبرة ولا تجلب ترقية، وبيئات العمل تخضع لسلطة الهرمية الذكورية تحرص على بقاء المرأة في أسفل السلم الوظيفي.
لكن لماذا تقبل النساء بالوظائف المتدنية؟
- يبدأ الموضوع من التعليم؛ المناهج التعليمية تهمش دور المرأة الاجتماعي والاقتصادي وتحصرها في الصورة النمطية، وتقصي نماذج النساء الناجحات من الكتب وأن ورد ذكر امرأة ناجحة فسيذكر فقط دورها كزوجة وأم ويتجاهلون دورها الاجتماعي الفعّال، وهذا الاقصاء يخلق في ذهن الفتيات منذ الصغر أن لا قيمة للمرأة إلا فالأمومة والزواج.
- دخول الفتيات في تخصصات لا تقدم لهم وظائف؛ بالرغم من أن نسبة الخريجات أعلى من الخرجين لكن نسب توظيف الرجال أعلى، فالعطالة فالسعودية بين النساء تبلغ 29% وبين الرجال 5% ، السبب يعود في ذلك أن التخصصات التي تمنح للفتيات لا تخدم سوق العمل، لا يوجد تناسب بين مخرجات التعليم النسائي وسوق العمل، بسب التميز في الفرص التعليمية والوظيفية تقبل النساء بالوظائف الأقل المتاحة لها.
- العامل الاقتصادي المتدني؛ من احد أهم أسباب العنف ضد المرأة، حيث تبلغ حالات العنف ضد المرأة لأسباب اقتصادية 45%، فالنساء يعملن في وظائف متدنية لحاجتهم لإعالة ذواتهم، ونشاهد تكرار تلك الصور فالمجتمع، امرأة بقدرات عالية في وظيفة متدنية، أو امرأة تبيع في الشوارع لتغطي مصاريف عائلة ضخمة، أولائك النساء لا خيار لديهن إلا قبول تلك الوظائف فالبديل عنها أكثر إذلالاً.
- تقسيم الوظائف على أساس جندري، وضع الوظائف النسائية في أسفل السلم وتقليل قيمتها المادية، تذكر جيرمن غرين أن هناك نمط سائد من عمل المرأة مرتبط جداً بالصورة الأنثوية حيث يحتل الرجال المناصب المهمة ويمنح النساء الاعمال الأقل، وهناك مهن تهيمن عليها النساء كالممرضات السكرتيرات المعلمات المضيفات البائعات في المتاجر أو النادلات وغير ذلك من الأعمال وتلك المهن تمنح رواتب أقل وأيضا لابد أن تكون النساء فيها تحت سلطة الرجال.
فالنساء الأكثر حاجة للاستقلال المادي لحمايتهم من العنف يكن في الغالب بلا وظائف أو في وظائف متدنية ذات أجور منخفضة لا تساعدهم على إعالة أنفسهم، فتقبل المرأة بالعنف الأسري لتتمكن من إعالة أولادها، والاقتراحات الذكورية التقليدية المطروحة لمساعدتهم تتشكل عبر الصدقات أو الصبر والتوسل أو العمل فالشارع بلا تأمينات أو ضمانات لحفظ حقوقهن.
الفئة الأخرى المهمشة "المنقبات" هن اليوم أكثر فئة من النساء تتعرض لتميز فالوظيفة، أصبح النقاب من أسباب رفض توظيف النساء، ويشترط في بعض الوظائف أن تكون المتقدمة غير منقبة، أنا هنا لا ادافع عن النقاب، فالنقاب رمز قمعي وأداة لاضطهاد المرأة لكن من غير المنطقي تخضع النساء لسنوات على ارتدائه وبدلاً من تحريم النقاب ومحاربته تتم محاربة المنقبات وحرمانهم من الوظائف! تصنعون تلك القيود وتقيدون بها النساء بالإجبار ثم تحاسبونهم على تقيدهم، لماذا يتوجب على النساء دفع الثمن في كل الحالات.
عمل المرأة ضرورة وحاجة ملحة لتحسين حياتها، ليس لتضيع وقت الفراغ ولا رفاهية، والتمكين لا يختص بفئة من النساء ويهمش البقية، التمكين يتم من خلال إزالة العوائق الاجتماعية والاقتصادية التي تحول ضد عمل المرأة، تطوير المناهج التعليمية وتوفير التخصصات لكل الجنسين، ومنح المرأة الفرصة في اتخاذ جميع القرارات المتعلقة بحياتها وجسدها.
تعليقات
إرسال تعليق