المشاركات

عرض الرسائل ذات التصنيف مقالات نسوية

الأسباب الغائبة

صورة
           كان ينبغي علي قبل الكتابة أن أقيد أشباح ذكرياتي حتى يتسنى لي الحديث بشكل موضوعي، و كان لابد أن أخمد كل مشاعر الغضب والألم بداخلي، لكن عوضًا عن ذلك استحضرت أشباحي ودموعي لترافقني طوال رحلة الكتابة، فلم أرغب بأنّ اقف بمعزل عن الضحايا وأنا جزء منهم، أعرف مقدار الألم والخوف والرعب الذي يسكن بداخل كل امرأة تعرضت للتحرش الجنسي جراء تكذيبها أو ترهيبها أو تهديدها، أعرف أن هناك الكثيرات ممن تعرّضن لتحرّش و التزمن الصمت بسبب الخوف، وأعلم أن الأمر لن يُنتزع بشكل جذري بمجرد سَنّ القوانين، فالتحرّش الجنسي ليس شيئًا يحدث فقط بسبب رغبة عابرة يمكن إيقافها بشكل مباشر وسطحي، بل فعل ينطوي بداخله تاريخ طويل من التراكمات لاحتقار وإذلال المرأة مدفوعٌ باختلال القوة وانعدام المساواة بين الجنسين.       ربما يظن البعض أنه نوع من المبالغة حين تصرح بعض النساء أن جميعهن قد تعرضن لمحاولاتٍ عديدة من قبل الرجال لانتهاك اجسادهن واختراق خصوصياتهن، ولكن يصبح الأمر مفهومٌ بالنظر إلى طبيعة العلاقات لدينا التي لا تزال تدار بأسلوب "الطريدة والصيا...

الأمومة الموحشة

صورة
   "ولادة الطفل تعني موت والديه" هيغل        لا نتحدث كثيرًا عن الوجه البشع للأمومة، نحاول إخفائه بالقناع المقدس التقليدي أو بالصورة الحديثة المزركشة بالعلم، نتجاهل عمدًا السراديب المظلمة للأمومة، نقذف الأمهات داخلها ونتركهن يخضن صراعاتهن وحيدات ومن حولهن كائنات ملائكية صغيرة تمتصهن بشراسة مرهفة. الأمومة التقليدية: عندما نجرب إزالة القناع المقدس للأمومة سنجد خلفه أمهات منهكات يدورون داخل دوامات من الإحباط والقلق دون إفصاح، يواجهن علاقات متوترة مع أطفالهن ولا يستطعن البوح بها، لأن المجتمع حكم على الأمومة بالغريزة القائمة على الحب اللامشروط والتضحية اللامحدودة، وأن الأم لا بد من أن يخلو قلبها من كل المشاعر الإنسانية السلبية.  سنعثر على أمهات يتعاملن مع الطفل كمشروع خاص تملكه، تثقله بكل رغباتها وأحلامها وأخطائها وعيوبها، تستلهم قيمتها من خلاله ولا تفصله عنها ككيان مستقل بل تظن أنه امتداد لوجودها، فهي لا تكتفي بالأنا الخاصة بها ولا ترى لوجودها غاية سوى من خلاله، فتنذر نفسها لأجله بكل حب كما أخبرها دينها وثقافة مجتمعها، وحين لا يحقق الابن أو الابنة ...

استبداد الذكورية على الرجال

صورة
     منذ أن بدأت اكتب في النسوية، وتركيزي كله منصب على فهم الواقع والمشاكل المحيطة بالمرأة من خلال فهم المرأة، كنت أبحث عن الإجابات في كتب النسويات والنظريات النسوية، أو من خلال الاحتكاك بالنساء والسماع منهن، لكن منذ فترة توقفت وبدأت أفكر بأنني طوال الوقت أبحث في نفس المنطقة التي تبحث فيها غالبية النساء، ربما الإجابة في المنطقة الأخرى في الوكر المحرم علينا نحن النساء الاقتراب منه، ربما من كان جزء من المشكلة هو ايضاً يشكل جزءٍ من الحل. قررت أشمر عن ساعدي وأتوغل في وكر الذكورية لعلي أطلع على فردوسهم الموعود، فلطالما تم تصوير الذكورية في أذهاننا على أنها جنة الرجال وجحيم للنساء، اتفق مع الثانية لكن مع الأولى لدي شك هل حقًا تبدو لهم كالجنة أو هي جنة لدى القلة منهم، أو ربما هي كجنة الأديان مكان يسكن في المخيّال البشري بينما في الواقع لا يوجد إلا الجحيم للجميع. بدأت بسؤال من حولي، وعبر الانترنت. ما ضرر النظام الأبوي عليك كرجل؟ "اعتقد مشكلة الذكورية الأزلية هي القوالب اللي تضع فيها كل جنس. فأنا كرجل يجب أن أكون على الدوام القوي الشجاع القوَّام طوال الوقت. وهذا بحد ذاته مسؤولية غ...

الجندر وعلاقته بعدم المساواة بين الجنسين

صورة
    عندما أنجبت أختي ابنها الوحيد بعد ثلاث فتيات كانت مهمة تنشئته أشق عليها من ولادته. ولد طفلها في عالم مألوف مثالي متكامل لكنه باللون الوردي، وفي شرع البشرية من الجُرم أن تتلطخ أقدام صبي بذلك اللون.  فبدأت أختي وزوجها بمحاولة تجنيد الطفل المسكين وانتزاعه من عالم أخواته حتى لا يصبح "فتاة" على حد قولهم، وكأن الأعضاء والهرمونات ستتغير بمجرد تغير لون الملابس، فكان هناك ألوان مجرّمة وألعاب محظورة وكلمات محرمة.  نشأ الطفل يلعب متنقلاً بين عالمين متلاصقين، عالم أخواته المألوف الذي يسمح له أن يستأنس به لكن لا يترك آثاره تعلق به وإلا سيحكم عليه بالضلال، وعالم مجهول غريب عنه لم يألفه له قواعد عنيفة، وكلمات قاسية، وممرات وعرة ينبغي عليه أن يعبرها ليثبت استحقاقيته لحمل تلك الكروموسومات. لم تكن أختي وزوجها ذو تصرفات غريبة ربما سردي هو ما جعلها عملية غير مألوفة، لكنها عميلة اعتيادية تجري داخل الأسر، منذ لحظة الولادة ينطلق الوالدين في عملية بناء الذكورة والأنوثة، وتتحول البيوت إلى مختبرات بشرية ضخمة لصناعة قيم وسلوكيات تتناسب مع جنس كل مولود. يكفي أن تسير في الشارع لترى بوضوح نتي...

تحليل لتراكمات الثقافية والتاريخية التي ساهمت بانحسار دور المرأة عبر التاريخ

صورة
   "الطريقة الصحيحة للخلق بالنسبة إلى المرأة - أية امرأة - هي رحمها لا عقلها".      يظن الروائي بيامي أن وجود رحم للإنجاب يتنافى مع وجود عقل ينتج، لم يكن الأول أو الوحيد الذي اعتقد أن هناك علاقة عكسية بين وجود الرحم والعقل، فحتى نهاية القرن 19 كان الطب النفسي يعتقد أن هناك مرض عقلي يصيب النساء بسبب وجود الرحم (Female hysteria) ولا يصيب إلا كل امرأة فقدت زوجها أو رفضت سلطة الرجل.  الفقه الإسلامي لم يكن بعيداً عن تلك الافتراضات فهو أيضًا مشحون بالأحكام والتشريعات التي تحمل تصريحات مباشرة لاحتقار المرأة ووصفها بنصف العقل وإشعارها بانعدام الأهلية.   كثيرًا ما تم تبرير الأفعال الذكورية الاقصائية بالاختلاف البيولوجي، وكأن النساء حكم عليهم بالطرد واللعن والإقصاء لأنهن يملكن عضو مختلف عنهم. لماذا امتلاك عضو مختلف يجعل من الحياة صعبة؟  لماذا يقرر كائن آخر أن يربط قيمته وأخلاقه وشرفه بعضو لا يخصه في  جسد آخر ؟  أو لماذا مجتمع كامل يتحولون لكلاب حراسة حول أعضاء نسائهم؟    طوال التاريخ كان الرحم لغز محير للبشرية، ففي الأزمنة الغابرة رفع إل...

العبثية الفاخرة

صورة
  كنت  أشاهد لقاء لشخصية نسائية ناجحة في العقد الخامس، تحكي قصة ابتعاثها في وقت كان يحرم على النساء حتى دخول المدارس الابتدائية، بدأت بسرد كيف ساهم أبيها العظيم في نجاحها، كيف وقف أمام القبيلة وأئمة كبار العلماء ليسمح لها بالابتعاث وليس فقط في نيل التعليم الأساسي، لم تكن فرادة القصة ما شدني للكتابة، فجميع قصص النجاح النسائية التي أسمعها من مجتمعنا تكون بنفس النمط المتكرر، الذي يذكر فيه دور الأب كشخصية محورية في تحديد مسار ابنته المهني وحتى الاجتماعي.  ما كان يشدني هي تلك الأسئلة التي غمرتني أثناء المشاهدة، لو كانت شخصية الأب مختلفة هل سيؤثر ذلك على مسار مستقبلها؟ ماذا لو لم يدعمها، ماذا لو وقف مع تقاليد القبيلة، ماذا لو كان الأب يقدس السلطة الدينية حينها؟ هل كنا سنعرف أو نسمع عنها؟ ماذا لو  أخيها رفض ابتعاثها وقرر تزويجها، هل ستكون شخصية عظيمة أم كبقية النساء اللاتي يركن على رفوف الحياة ويطويهم مد النسيان.   بعد اللقاء بأيام وصلت لي الإجابة من خلال حادثة شنيعة لفتاة تدعى"صباح" أشعلت سيرتها تويتر لأيام، كانت صباح بشهادة من حولها فتاة ذكية ولها مستقبل مشرق ل...