مواعيدي مع الموت
منذ لحظة لقائي بالحياة وأنا على مواعيد مستمرة مع الموت، كنت على حافة العدم مرتين. المرة الأولى وأنا ابلغ من العمر ثلاثة أشهر طاف شبح الموت حولي، وطاف بي أبي سبعين طوافاً حول المشافي، استنجد بكل طبيب، لكنهم كانوا زمرةً ماكرة يّوحى إليهم من شيطانٍ مكيد، ألقى على ألسنتهم تعويذة الموت "لن تعيش طويلاً" بدأت طبول الخيبة تُقرع، وطقوس الفقد تمارس فوق جسدي، حتى حضرت تلك العجوز وأخذت تتفحصني كخرقة بالية بين كفّيها وتمسح جسدي بأوراق سدر محترقة، وتلقي بالآيات والتعاويذ لتطرد أشباح العالم السفلي من حولي. لا أحد يعلم كيف نجوت بعد ذلك اليوم، هل تلك المسنة منحتني سنواتها المتبقية، أو تلك الأوراق الخضراء وهبتني سر الحياة قبل أن تحترق!
المرة الثانية حين رأيت البحر لأول مرة وأنا سبع سنوات، لفرط حبي قررت أن أعانقه، دخلت البحر وخيَّل لي أنني قطرة ماء وأن البحر موطني الأم وأن روحي الإنسيابية خلقتها آلهة البحر. رأيت النجوم ترقص تشع تحت الماء، لم أشعر بعدها إلا بيداً قوية تنتزعني من أعجوبتي المائية وتعيدني للأرض الملعونة. لحظة أنقذني أبي من الغرق ظن أني فارقت الحياة وأنا كنت فقط أحاول اصطياد النجوم تحت الماء.
بعد تلك الحادثتين أخبرتني أمي أن الله يحبني لذا أحدث معجزتين لإنقاذي وأن لوجودي حكمة إلهية خفية، وعشت لسنوات فخورة بمعجزتي أحملها بشرف كأوسمة حرب عالمية. الأمهات خلقوا لبعث الطمأنينة والإيمان لذا لم تخبرني أمي بالحقيقة.
لم تخبرني أن الحياة عبثية، عشوائية، متقلبة، اعتباطية، قاسية، ولا أهمية لوجودي فيها. وأن الطبيعية تلفظني مرتين منها لتخبرني أن لا مكان لي هنا، و حينما نجوت أصابتني بالعجز كلعنة لمقاومتي، وسلبت مني الإرادة عقاباً لإصراري، أما روحي فقد ضاعت وسط المياه حين غرقت.
تعليقات
إرسال تعليق