هل النسويّة فكرة غربية والنساء فالشرق لم يعرفن المساواة وماهية حقوقهم

 



 

"في الرابعة عشر من عمري سمعت لأول مرة كلمة نسوية حين وصفني بها صديقي كشتيمة أثناء النقاش، لم أكن حينها اعرف ما معنى تلك الكلمة، تطلب مني الأمر أن ابحث عن ما تعنيه حين عثرت على معناها قررت بكل فخر أن أصف نفسي بها. بعدها بسنوات عند نشر أول رواية لي أخبرني الناشر أنها رواية نسوية ونصحني بتغييرها فالنسوية تعني النساء الوحيدات التعيسات لكنني لم أكن تعيسة ولا وحيدة! فتوجب علي إعادة تعريف نفسي (بالنسوية السعيدة) بعد نشر الرواية وصل لي العديد من الإنتقادات: النسوية فكر تغريبي، كره الرجال، إفساد القيم، مسترجلة... توجب علي وقتها تعريف نفسي من جديد (بنسوية سعيدة أفريقية لا تكره الرجال وتضع أحمر الشفاه)  وكان في كل مرة يصل لي نقد أضيف كلمة جديدة للتعريف عن نفسي، في نهاية الأمر أصبح علي قبل أن أقول من أنا أسرد لهم قائمة طويلة لتبرير نسويتي"


النص السابق للكاتبة تشيماماندا انجوي اديتشي. أعتقد جميعاً مررنا بما مرت به فحين نقول عن أنفسنا نسويات يصل لنا نفس تلك الإنتقادات والإعتقادات الخاطئة حول هويتنا النسوية.
"النسوية غربية" لا اعلم كيف أن تلك الحجة الغبية المضحكة لا تزال تتردد كثيراً، وهل يوجد اليوم ما هو ليس غربي؟
نظريات علم الإجتماع، وعلم النفس والإقتصاد، والسياسة، والقانون، والطب، والهندسة، والتقنية، والفن، والأدب جميعها تقوم على أسس تأسست من العقول الغربية.
لا احد يستطيع أن ينكر أن كل ما تقوم عليه الحضارة اليوم غربي، فلماذا يُقبل كل ذلك ولا تُقبل النسوية؟
اما أن المرأة عليها وحدها أن تصلب على صليب العادات والتقاليد، لماذا كل الشعوب والثقافات تريد أن تنعم بثمار الحضارة الغربية وفي نفس الوقت تريد ألا تتخلى عن تقاليدها البالية فتجعل من النساء قربان للحفاظ عليها.
الأمر الآخر هل حقاً النسوية فكرة غربية والنساء فالشرق لم يعرفن المساواة وماهية حقوقهم؟
لقد تعلمت أن أكون نسوية قبل حتى أن اقرأ لسيمون وأسمع لباتريشيا، كنت نسوية من الطفولة ليس لأنني طفلة نابغة أو مميزة بل على العكس كنت طفلة ساذجة كجميع الأطفال الحمقى من حولي، لكن من عمر مبكر أدركت أن المرأة تتساوى مع الرجل والفضل يعود لأمي! أمي لم تكمل تعليمها الجامعي ولم تتعلم اللغة الإنجليزية ولم تتأثر بالغرب ولم تقرأ كتبهم، بل على العكس امرأة محافظة جداً، متدينة كالأنبياء والصالحين، لكنها كانت تختلف عن المجتمع و لا أعلم كيف استطاع عقلها أن ينجو من قبضة الوعي الجمعي. حين كانت جميع الأمهات يجهزن فتياتهم لطقوس الخضوع والطاعة للرجل كانت أمي تجهزني للإستقلال والإعتماد على ذاتي. كانت غالبية الأمهات من حولي يعاملن بناتهن كسلع ويحرصن على تجهيزهن كبضائع ويختمن بتواريخ الصلاحية العمرية لزواج ويعرضن في سوق النخاسة الحديث "الأعراس" ويُسلمن لأحسن مشتري، كانت أمي ضد كل تلك الأعراف والمعتقدات، تعاملني كإنسانة لها قيمتها دون ان تُستمد من وجود رجل حولها، تخبرني أن لا أقبل إلا بمن أشعر أنه يستحق، ترفض أن تضحي به لإرضاء المجتمع. فوات القطار، العنوسة، مطلقة، أرملة، كل تلك المصلحات البالية التي تستخدمها جميع النساء لتسليع أنفسهم لم تكن أمي تعترف بها ولا تقبلها. لم أشعر يوماً أن لأخي الحق ان يكون اعلى مني أو من واجباتي خدمته، كل تلك الافكار الذكورية القذرة لم تكن تذكر في بيتنا.  نعم أمي لا تعرف مصطلح النسوية، ولو ناقشتها حوله لاعتقدت أني كفرت بما أنزل على نبي العرب، لكنها تؤمن بحقوق المرأة ولا ترى أنها أقل أو أدنى من الرجل. هناك الكثير من النساء مثل أمي، نساء لا يقبلن الظلم والتمييز، ليسوا نسويات ولا يعرفون ماذا تعني تلك الكلمة، وربما لن يتفقوا مع معناها الغربي ولكن هل عدم إدراكنا لمعنى الكلمة يهدم احتمال وجودها؟  
اعلم أن ما سردته أعلى تجربة شخصية ولا اعني أن تجربتي حقيقة علمية لكن ما اريد قوله من خلال تلك التجربة هل البشر يدركون معاني الأشياء قبل حتى تسميتها أم أن الكلمات تستلزم أن  تكون سابقة لمعانيها؟ 
هل المعنى يولد قبل أم الكلمة؟ 
مايحدث فالحقيقة هو العكس نحن من نخلق ونوجد الكلمات بعد أن ندرك معانيها، النسويات فالشرق كن موجودات حتى قبل وجود المصطلح.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البرمجة منتج نسائي استحوذ عليه الرجال

تأملات في الذكاء الاصطناعي

الأسباب الغائبة

أشلاء

هي ...

الأمومة الموحشة

استبداد الذكورية على الرجال