امرأة تسحب العالم كله نحوها


 

    ما تدركه عقولنا اليوم صنع من خلال الرجال، الأديان، اللغة، التاريخ، الفلسفة، والأيدولوجيات، الحروب، الإقتصاد كلها نتاج العقل الذكري، فحين قرر الرجال خلق الدين قتلوا العقل، وحين قرروا خلق الفلسفة قتلوا الغريزة، وحين خلق العلم قُتلت الروح، وحين خلق المال قتل الإنسان.لطالما كانوا يدورون في حلقاتهم المفرغة تارة يقدسون العقل وتارة يقتلونه، يقدسون الجنس وتارة يحقرونه.
كنت أتساءل أين كانت النساء خلال تلك الصراعات الذكورية؟ تم اقصائهم وحكم عليهن بالمراقبة دون التفاعل، لكن ذلك الإقصاء كان طوق النجاة للنساء، النساء نجوا من التفكير الذي قلب الموازين، مراقبتهم للجوانب الصغيرة التافهة مكنتهم من ملاحظة التعقيدات الهائلة، وحّد بين الفكر والشعور لديهن.
"جيمس باري" تلك الطبيبة المتنكرة بملابس الرجال، تخلت في غرفة العمليات للحظة عن كل ما تعلمته من الرجال، وآمنت بذلك الصوت الداخلي الذي همس لها أنها تستطيع انقاذ الجنين وأمه، وبذلك تكون أول من استطاع تغير الطب الحديث لتنقذ الملايين من النساء خلال العمليات القيصرية. ذلك الصوت الداخلي هو أيضاً من أوحى لتلك النسوة في العصور الوسطى لمعرفة العلاج عن طريق النباتات لكن تم مطاردتهم وقتلهم بتهمة الشعوذة، وبعد قرون مديدة يعترف العالم أنهن كانوا ملائكة الرحمة وأن أعمالهن ليست إلا محاولات للتداوي بالأعشاب. ذلك الصوت الداخلي هو من جعل عائشة تقول يوماً للنبي " ما أرى ربك إلا يسارع في هواك". هو أيضاً من جعل حنة آرنت تخرج من كل القوالب الفلسفية السابقة لتعيد تصوير الواقع، تعيد صياغة مفهوم الخير والشر.
ذلك الصوت الداخلي لا أعلم ما أسميه لكنه محاولة لفهم العالم والخروج من جميع القوالب المسبقة، هو شعور بالوحدة التامة مع العالم، هو النظر إلى العالم من خلال أعين جديدة، هو شيء تملكه النساء كغريزة حياة. النسوية اليوم هي ذاك الصوت، الآن هي من تحاول تشكيل العالم وصياغته من جديد، تسحب بإرادتها كل العالم نحوها، لكن ما أخشى حدوثه أن تقتل المرأة حدسها وتصبح نسخة مما كانت تريد محاربته سابقاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البرمجة منتج نسائي استحوذ عليه الرجال

تأملات في الذكاء الاصطناعي

الأسباب الغائبة

أشلاء

هي ...

الأمومة الموحشة

استبداد الذكورية على الرجال