هي ...
أراقب من بعيد وبهدوء، ثم أختار من يرتقي ليكون الأنِيس لوحدتي، هكذا اصطفيت جلّ صداقاتي وعلاقاتي، إلاّ هي. هي من لعبت دور الإله بدلاً عني، هي من اصطفتني دون العالمين. لا أتذكر لحظة لقائنا الأول، لكنها لا تنفك عن تذكري بتلك اللحظة وكيف لا تزال محفورةً بأدق تفاصيلها في ذاكرتها، تتفاخر بسردها أمام كل عابر وغريب. و كلما سردت تلك اللحظة السرمدية، توهجت عيناها ابتهاجًا لم تَذوي السنين وهّجه. بحسب روايتها، اختارت أن أكون صديقتها منذ اليوم الأول الذي دخلنا فيه مدرسة المتوسطة كطالبات جديدات، وقفت عند الباب مذعورة، بوجه شاحب وخطى مرتابة، بجانبي أمي التي تحمل ملفًا أخضر كبيرًا. تقول: "لفت نظري كيف لم تكوني تلبسين عباية! نظرت إليك وإلى نفسي، كنا نحمل نفس الاسم وبنفس العمر وبنفس الطول، فلماذا كنت ألتف بالسواد أما أنتِ فلا؟ تفحصت بإعجاب فستانك القصير، وشعرك المسرح بعناية، وحلمت كل ليلة أن أملك ذاك الفستان." - تخرجنا من الجامعة وهي لا تزال تذكر لي ذلك الفستان الذي لا أتذكره، ولا أعلم لما رسخ بقوة أحفوريّة بذاكرتها - في هذه اللحظة ابتدأ كل شيء بالنسبة لها. في الصف، جلست في المقعد الذي أمامها