آين راند عدوة النسوية الخائنة لجنسها
آين راند من اكثر الشخصيات جدلاً في القرن العشرين، ألهمت جيلاً كاملاً من الأمركيّين، ففي عام 1991م اعتبرت روايتها" Atlas Shrugged ثاني أكثر الكتب تأثيراً بعد الإنجيل. فقد أثارت زوبعة حينما اعتبرت الأنانية فضيلة، والإيثار رذيلة، والرأسمالية أعلى الإنجازات البشرية. حينها وكما استغل النازيون فلسفة نيتشه؛ استغل اليمينيين المتطرفين فلسفتها.
كتبت آين راند في مذكراتها " كان لدي خلاف مع الفلسفة وقواعدها الأخلاقية فكان علي أن أؤسس تفكيري الخاص" أسست فلسفتها التي سمتها بـ "الموضوعانية" Objectivism وتنص فلسفتها على ان الواقع موجود بشكل مطلق وموضوعي، ومنفصل عن الوعي والمشاعر والرغبات، فهو موجود كما هو وليس كما نريد أن يكون، وتنمي الانسان خلاف ذلك لن يغيره. والعقل هو الوسيلة التي يملكها الإنسان لفهم ذلك الواقع، ليس وظيفة العقل خلق واقع جديد بل فهم الواقع الموجود.
الأخلاق في اعتقادها لا ترتكز على الإيمان ولا على الأهواء العشوائية ولا القوانين التعسفية ولا العواطف، وإنما على العقل ويمكن إثباتها بواسطة المنطق. والإنسان غاية في ذاته وليس وسيلة لغايات الآخرين يعيش لنفسه ولا يكون سيداً ولا عبداً، ولا يخدم اجندة ولا يخضع لآراء أو رغبات الآخرين ، ويحقق قيمته من خلال اتخاذ قرارات تتوافق مع حقائق الواقع. وسعادته هي الغاية القصوى التي يسعى وراءها ولا تتحقق إلا بحب الإنسان لذاته والعمل لتحقيق إنجازاته لصالح نفسه.
حين أسبغت راند الفضيلة على الأنانية لم تكن تروج لاستغلال الآخرين، ولا انتهاك الحقوق ولا ترى أن الغاية تبرر الوسيلة. "الأنانية العقلانية" كما تمسيها هي إدراك الإنسان لقيمته وقدراته واحترام ذاته واتباع مصلحته بطرق عقلانية بلا إجبار ولا إكراه ولا فرض وصاية، فيعيش بتناغم مع الآخرين ويحترم حقهم في ذلك أيضاً. الإيثار في نظرها يختلف عن مساعدة الآخرين، فالإيثار تصرف غير عقلاني فيه تضحية بالنفس وجعل قيمة الفرد أقل، فهو اشبه بتقديم البشر كقرابين، وأن خطر الإيثار يكمن في سلبه للقيمة الفردية فحين لا ينظر الإنسان لنفسه كقيمة بما فيه الكفاية فإنه سيكون عرضة للخداع من قبل أي دوغمائي. حتى الحب لدى راند تم عقلنته، فالحب بنظرها عاطفة أنانية تختار الشخص اعتباراً للقيمة التي اكتسبها وفقاً لخصاله، فأنت تحب انعكاس قيمك الخاصة متجسدة في شخص اخر فلا تقع بالحب ذاته بل في القيمة.
راند لم تكن يوماً أيقونة نسوية، بل تم وصفها بعدوة النسوية الخائنة لجنسها. فتصورها للإنسان المثالي كان تصور ذكوري والمرأة ليست إلا انعكاساً له. وجوهر الأنوثة في اعتقادها يتجلى بعبادة الأبطال "الذكور". ولم تكن تلك الأفكار وحدها التي عرضتها للانتقادات، فمشاهد العنف الجنسية في روايتها "المنبع"، وتصريحاتها الرسمية خلال المقابلات التلفزيونية لرفض رئاسة النساء، ورفض الاعانة الحكومية لنساء وعدم اعتبارهن حالة خاصة لتلقيها.
راند لم تكن نسوية بالمفهوم النسوي الحديث، لكنها اعتقدت أن المرأة قادرة على الإعتراف باحتياجاتها الفردية مثل الرجل، سواء عندما يتعلق الأمر بالحياة الجنسية أو الخيارات المهنية أو الأمومة، اعتقدت راند أنه يجب على النساء متابعة قيمهن في الحياة بغض النظر عما إذا كانت أهدافهن تتوافق مع المفاهيم التقليدية للأنوثة أو تختلف عنها. فلسفة راند متوافقة تماماً مع اتجاه الحركة النسوية وتدعم الحقوق الفردية و تعارض التحيز الجنسي لأن التحيز هو شكل من أشكال الجماعية البيولوجية.
قبل أن يطالب النساء اليوم بحق المرأة في التحكم بخياراتها الإنجابية وحقها فالسعي خلف النجاح المهني، كتبت راند عن نساء يملكن حق الاختيار في عدم الإنجاب ويتمتعن بالنجاح المهني دون شعور بالذنب. وقبل ظهور مطالبات الحركات النسائية بالحرية الجنسية، حررت راند بطلات رواياتها من كل الأعراف التقليدية حول الجنس، وأخرجت النساء من قالب "الضحايا" وخلقت نساء يرفضن التضحية بمصالحها أو فكرها أو مبادئها من أجل الرجل.
أما عن مشاهد العنف الجنسية في روايتها "المنبع" اليوم نحن ننظر إليه كعنف وعمل وحشي ولكن في الأربعينيات الحقبة التي كتبت راند روايتها فيها، كان ينظر "للإغتصاب الزوجي" باعتباره خشونة في ممارسة الجنس وليس إكراها عليه.
أذا كنا اليوم نرى أن النسوية تهدف إلى جعل المرأة نسخة معدلة من الرجل حتى تعتبر نفسها متساوية معه، فتكن "انثى مخصية" كما عبرت عنها جيرمين، فهنا راند ليست نسوية. وإن كانت النسوية تعني تقلل الفوارق بين الجنسين والاعتراف بأن للمرأة حقوقًا وفرصًا مساوية للرجل في كل الميادين، فراند نسوية بهذا المعنى.
خلاصة القول لابد أن نعترف أن فلسفة راند ألهمت الكثير من النسويات على المساواة الجوهرية بين النساء والرجال، وبالرغم من الانتقادات التي تتعرض لها اليوم إلا أنه لا يمكن إنكار أن فلسفتها في جوهرها كانت مرتبطة بالنسوية.
وفي رواياتها "نحن احياء" كتبت "في البداية كان الإنسان عبداً للآلهة ثم تحرر، ثم كان عبداً للملوك فتحرر، ثم كان عبداً لأهله وأقاربه فتحرر، ثم كان عبداً للعرق الذي ينتمي له فتحرر...." " إن الإنسان يحمل قداسة بداخله ولا يجب أن تتجرأ يد خارجية على لمسها لا دين ولا دولة ولا مجتمع " هل "الموضوعانية" حررت الإنسان كما كانت تطمح، أم خلقت عبودية جديدة تعبث بقداسة الفردانية التي حاربت راند للحفاظ على ألا تُمس؟
المصادر
- فضيلة الأنانية، آين راند
- الفلسفة بصيغة المؤنث، رشيد العلوي
- فلسفة آين راند، علي الحارس
https://hekmah.org/%D8%A2%D9%8A%D9%86-%D8%B1%D8%A7%D9%86%D8%AF/
تعليقات
إرسال تعليق