المشاركات

عرض الرسائل ذات التصنيف مذكراتي

هي ...

صورة
  أراقب من بعيد وبهدوء، ثم أختار من يرتقي ليكون الأنِيس لوحدتي، هكذا اصطفيت جلّ صداقاتي وعلاقاتي، إلاّ هي. هي من لعبت دور الإله بدلاً عني، هي من اصطفتني دون العالمين. لا أتذكر لحظة لقائنا الأول، لكنها لا تنفك عن تذكري بتلك اللحظة وكيف لا تزال محفورةً بأدق تفاصيلها في ذاكرتها، تتفاخر بسردها أمام كل عابر وغريب. و كلما سردت تلك اللحظة السرمدية، توهجت عيناها ابتهاجًا لم تَذوي السنين وهّجه. بحسب روايتها، اختارت أن أكون صديقتها منذ اليوم الأول الذي دخلنا فيه مدرسة المتوسطة كطالبات جديدات، وقفت عند الباب مذعورة، بوجه شاحب وخطى مرتابة، بجانبي أمي التي تحمل ملفًا أخضر كبيرًا. تقول: "لفت نظري كيف لم تكوني تلبسين عباية! نظرت إليك وإلى نفسي، كنا نحمل نفس الاسم وبنفس العمر وبنفس الطول، فلماذا كنت ألتف بالسواد أما أنتِ فلا؟ تفحصت بإعجاب فستانك القصير، وشعرك المسرح بعناية، وحلمت كل ليلة أن أملك ذاك الفستان." - تخرجنا من الجامعة وهي لا تزال تذكر لي ذلك الفستان الذي لا أتذكره، ولا أعلم لما رسخ بقوة أحفوريّة بذاكرتها - في هذه اللحظة ابتدأ كل شيء بالنسبة لها. في الصف، جلست في المقعد الذي أمامها

بخفة الرقص يعاد تشكيل العالم

صورة
  حينما كنت في العاشرة قرأت قصة تدور حول رجل يصعد الجبل، ويفرد ذراعيه كالنسر ويضرب الأرض بقدميه كثور هائج، ثم يبدأ الرقص بحركات غير مألوفة، وحين يعود للقرية ويسأله أهل القرية ماذا فعلت فيجيب: كنت أناجي الله ! شغلت تلك القصة الغريبة عقلي، بدأت أحاول فك شفراتها المستعصية. الرقص يمارس في أكثر اللحظات طيش ولهو، أما الصلاة تقام في أكثر اللحظات جديّة ووقار فكيف تجتمع؟ تجسد أمامي أول تنافر مريع أشهده في حياتي! في اليوم التالي ذهبت للمدرسة مرتابة، وكأني رسول يحمل رسالة سماويّة يتوجب عليه تبليغها. أخبرت صديقاتي أن هناك طقس سري للعبادة وجدته في كتاب قديمٍ محظور، وبدأت أقلد لهم حركات الرجل المجنون التي قرأتها وأبتدع لهم حركات جديدة غير مفهومة، شيئًا فشيئًا انتشرت الرسالة، وأخذت أرقص في كل الزوايا، وازداد عدد المؤمنين والتابعين.   أعجبني الأمر وتحول إلى طقسٍ يومي، كل ما علي فعله ضبط إيقاع الرّوح على خطواتي لتتزامن بنشوة ساحرة، أتحرك وفقًا لغريزتي لم يوجد بذهني أي حركات محددة وكأنني رحّال لا يعلم أين الوجهة كل ما عليه أن يثق بحدسه ويكمل الطريق المجهول.  وصلت دعواتي التبشيرية إلى أبواب الجحيم، تم اس

ما الذي يسعدك؟

صورة
     بدأ حديثه لأول مرة بسؤال "ما الذي يسعدك؟"   سؤال يشبه أسئلة أطباء النفس ومطوري الذات، تلك الأسئلة التي لا فائدة منها سوى منح الطبيب دور البطل المنقذ، ليشعر في ختام الجلسة أنه منح طوق النجاة لمريضه وأنار له دهاليز روحه، والواقع أن المريض لا يزال غارقاً بالوحل، متخبط في دوامات قلقه.  لم أكن لحظتها أملك إجابة على سؤاله، لو كان سؤاله "ما الذي يمنحك المتعة؟" لكانت الإجابة أسهل، وكان بإمكاني سرد قائمة طويلة حول أشياء مادية وغير مادية تمنحني المتع المؤقتة، لكن السعادة لا تعني المتعة أو اللذة، ولا تتحقق من خلال إشباع مؤقت لرغبات لحظية.   لا أعلم لماذا أرهقني سؤاله كان مجرد سؤال بسيط من شخصٍ غريب فلما علق بذهني لأيام!   سؤاله العابر جعلني أفتح حقائب ذاكرتي أفتش عن سعادتي، كنت خائفة وقلقة ألا أجد شيء!   أتذكر بداية العشرين مرحلة الشغف والحماس في البحث والتعلم، كانت هناك قاعدة سحرية لتحقيق السعادة تتمثل من خلال إحراز أعلى نقاط في الجوانب التالية: الجانب الذاتي؛ المتمثل في (الروح، والصحة، والجسد، والنفس). والجانب الاجتماعي؛ المتمثل في (العائلة، والأصدقاء، والمهنة).  ولتصل

ندبة تتوسط جسدي كنصب تذكاري

صورة
   قبل أن أدخل العملية كان كل ما بداخلي يرتجف، لا أعلم هل مصدر ارتعاشي برودة المكان أو برودة روحي، كل ما أعرفه أنني للحظة شعرت بتقلص كل الأشياء من حولي، شعرت بمزيج من الخوف والتهديد ليس من الموت بل خوفاً من أن تترك مشارط الأطباء أثر على جسدي، لم أكن سأشعر بالجزع لو كان جسدي بين يديّ فنان فهو سيتعامل معه كقطعة فنيّة نادرة، لكنه بين يديّ جزار بهيئة طبيب كل ما يهمه صحتي لن يهتم بإلحاق النقصان بكمالي، بعد أن استعدت وعي ورأيت تلك الندبة البشعة على بطني شعرت أن هناك من تعبث بهويتي.    تردد صوت بداخلي يتساءل كيف أكون على بعد خطوة من شفا هاوية وكل ما يشغل بالي الجسد؟  هل كنت أفضل الموت على أن احمل ندبة صغيرة لا قيمة لها؟ ماذا لو فقدت أحد أعضائي خلال العملية هل ما زلت سأبقى أنا؟   في اللحظة التي تتساوى الأشياء بالعدم تكشف لنا بواطن الأمور هل كنت أعتقد في تلك اللحظة أن "أناي" تنحصر بجسدي! منذ أن تولد الواحدة فينا حتى تموت وهي تخضع لعملية الإنسلاخ من بشريتها، فتنمو على أنها جسد جميل ممزوج بالشر، فتكون مغرية في القصائد، فاتنة في الأغاني، مذنبة في الكتب المقدسة، مُدانة بموجب الأعراف والتق

امرأة قوية

صورة
   حينما أسمع "امرأة قوية" يقفز لذهني ذلك المشهد الصامت المتسرب من الطفولة لامرأة مسنة بملامح قاسية يستند ظهرها على الحائط، منطفئة تمامًا كما لو أن الحياة قررت أن تتوقف بداخلها لتتركها جسد متصنم يحدق في الفراغ. جدتي كانت أكثر البشر صلابة وقوة، كان أبي وأعمامي يخبروني بقصصها التي ظننت أنها حكايات خيالية، فجميع النساء في ذلك الوقت لم يكونوا مثلها، وحين أتساءل يتكرر ذلك الجواب "جدتك رجال" ينسبونها إلى الرجال حينما يصفون قوتها، كان أبي وأعمامي يشاهدون نسائهم وفتياتهم كنساء لكن جدتي تخرج من تلك النظرة، إنها أقرب لمخلوق أسطوري. امتد الأمر لكل من يعرفها ويشاهد أثرها على ملامحنا، أتذكر ذلك المسن من أقاربها في العزاء بدأ يسرد لنا قصصها في صباها حين حملت البندقية لتقاتل مع الرجال، كيف أنها في أحد الأيام حين غدر بهم أحد قطاع الطرق ولم يكن معها سلاح أخذت عمود الخيمة لتدافع به. وذلك الآخر الذي يخبرنا أنها كانت كل يوم تخرج مع أطفالها لمدرستهم وللمسجد وتحرص على العودة بهم إلى المنزل، وكيف أنها تقف مع العمال في بناء منزلها وتشرف عليه بنفسها ولم تطلب المساعدة من أحد، كنت أشعر أنهم ي

مواعيدي مع الموت

صورة
منذ لحظة لقائي بالحياة وأنا على مواعيد مستمرة مع الموت، كنت على حافة العدم مرتين.  ‏المرة الأولى وأنا ابلغ من العمر ثلاثة أشهر طاف شبح الموت حولي، وطاف بي أبي سبعين طوافاً حول المشافي، استنجد بكل طبيب، لكنهم كانوا زمرةً ماكرة يّوحى إليهم من شيطانٍ مكيد، ألقى على ألسنتهم تعويذة الموت "لن تعيش طويلاً"  بدأت طبول الخيبة تُقرع، وطقوس الفقد تمارس فوق جسدي، حتى حضرت تلك العجوز  وأخذت تتفحصني كخرقة بالية بين كفّيها وتمسح جسدي بأوراق سدر محترقة، وتلقي بالآيات والتعاويذ لتطرد أشباح العالم السفلي من حولي.  لا أحد يعلم كيف نجوت بعد ذلك اليوم، هل تلك المسنة منحتني سنواتها المتبقية، أو تلك الأوراق الخضراء وهبتني سر الحياة قبل أن تحترق! المرة الثانية حين رأيت البحر لأول مرة وأنا سبع سنوات، لفرط حبي قررت أن أعانقه، دخلت البحر وخيَّل لي أنني قطرة ماء وأن البحر موطني الأم وأن روحي الإنسيابية خلقتها آلهة البحر.  رأيت النجوم ترقص تشع تحت الماء، لم أشعر بعدها إلا بيداً قوية تنتزعني من أعجوبتي المائية وتعيدني للأرض الملعونة.  لحظة أنقذني أبي من الغرق ظن أني فارقت الحياة وأنا كنت فقط أحاول اصطياد