المرأة الذكورية العائق ضد تحرير ذاتها
تبدأ الحكاية من أول أسطورة تتغذى بها عقولنا حول النساء، ففي الأساطير جميع النساء جميلات لكنهن ساذجات، ثرثارات، لا يملكون أي قدرة سوى التوسل والبكاء، وإن ملكنا القدرة فهي تتجسد في الشر وتتمحور في الغيرة والكيد، ولا تعمل عقولهن إلا من خلال المكر والخداع، حتى أخلاقهن فهي كما يصفها نيتشه أخلاق الضعفاء والعبيد.
صورة المرأة كانت تتجسد في خطين متوازيين، التقديس والتدنيس. فالتقديس لن تناله المرأة حتى تحول نفسها لأداة للولادة وترتفع قيمتها بدرجة خصوبتها، أو أن تكون كالدمية تتجرد من صفاتها البشرية تتحول لكائن اسطوري، تُصبغ بالمثالية وتجبر على التضحية والتفاني والعطاء. أما التدنيس فهو الشرف الذكوري الذي تناله جميع النساء فأجسادهم رمز للظلال والفتنة، وهذا الشرف لن تناله إلا من خلال الستر. ثم يأتي التحليل النفسي الفرويدي ليتوج تلك الخرافة بوهم المعرفة ويجعل جوهر المرأة "عبادة القضيب" وطبيعتها "المازوشية"! لم ينصف احد المرأة ويخرجها من تلك القوالب والأنماط إلا العلم فهو الحاكم العادل الذي يتساوى الجميع في محاربه. وبرغم نسف العلم لكل تلك الصورة النمطية التحقيرية حول طبيعة المرأة إلا أنها لا تزال تسري في عقول البشرية، لا تزال المرأة منتزعة الجوهر مغتربة عن ذاتها، مختزلة كيانها في قشرة خارجية.
يكمن خطر تلك الإختزالات في سلب المرأة لإنسانيتها وكيانها فهو يحبسها في صورة لا يُسمح بتعديلها ولا تغييرها، وتلك الصورة تمكن الآخر من التحكم والسيطرة عليها، بل الأشنع من ذلك أنها تبرر له العنف ضدها، فهو حين يختزلها ويجردها من كل صفاتها ومشاعرها، لا يشعر بالإثم ولا تأنيب الضمير حين يعاملها كأداة!
المحزن فالأمر أن الكثير من النساء تتبنى تلك الأساطير والإختزالات كعقيدة ثابتة، معتبرة ذلك جزءاً من طبيعتها الأنثوية، تشعر بأنها لن تصل إلى غاية وجودها إلا من خلال اعتناق تلك الأفكار التي تؤمر بها، فتكفر بذاتها وبعقلها، وتقتنع في أعماقها أنها عبء وأنها تتلخص في جسد يجذب، ورحم ينجب، ثم تتماهى مع المتسلط وتتقبل مكانتها الوضيعة، وتتلذذ بشرب كأس الذل حتى الثمالة. بل تصل المرأة منفصلة عن ذاتها إلى مرحلة التكفير عن خطيئة وجودها بقمع ذاتها والتنكر لها، والوقوف عائق أمام نفسها، وتقاوم كسر تلك الأنماط المذلة، تعتبر الخروج منها كفراً، وتُعارض أي فكرة تحررها، تعتنق الإيمان بدونيتها، تتوهم أن الضعف والهوان والإتكالية علامات لكمال المرأة.
النساء يتحملن جزء من المسؤولية حول هذا الوضع، فهي التي تنكرت لذاتها وآمنت بأنها ناقصة وأنها عورة. الكثير من النساء يُعِدن إنتاج تلك الإختزالات وكأنها القانون الطبيعي للحياة. نعم الرجل هو من أنشأ النظام الأبوي لكن المرأة هي من ساهمت في استمرار الأبوية، المرأة الذكورية هي المتواطئة الأولى ضد مصالحها، هي العائق ضد تحرير ذاتها.
تعليقات
إرسال تعليق