استبداد الذكورية على الرجال
منذ أن بدأت اكتب في النسوية، وتركيزي كله منصب على فهم الواقع والمشاكل المحيطة بالمرأة من خلال فهم المرأة، كنت أبحث عن الإجابات في كتب النسويات والنظريات النسوية، أو من خلال الاحتكاك بالنساء والسماع منهن، لكن منذ فترة توقفت وبدأت أفكر بأنني طوال الوقت أبحث في نفس المنطقة التي تبحث فيها غالبية النساء، ربما الإجابة في المنطقة الأخرى في الوكر المحرم علينا نحن النساء الاقتراب منه، ربما من كان جزء من المشكلة هو ايضاً يشكل جزءٍ من الحل. قررت أشمر عن ساعدي وأتوغل في وكر الذكورية لعلي أطلع على فردوسهم الموعود، فلطالما تم تصوير الذكورية في أذهاننا على أنها جنة الرجال وجحيم للنساء، اتفق مع الثانية لكن مع الأولى لدي شك هل حقًا تبدو لهم كالجنة أو هي جنة لدى القلة منهم، أو ربما هي كجنة الأديان مكان يسكن في المخيّال البشري بينما في الواقع لا يوجد إلا الجحيم للجميع.
بدأت بسؤال من حولي، وعبر الانترنت. ما ضرر النظام الأبوي عليك كرجل؟
" تصنيفك ليس مرتبط بسلوكك وأفكارك، بل أيضا من خلال سلوك زوجتك أو أختك أو ابنتك ويقومون بتصنيفك من خلالها، ظلم للفرد أن يتم تحميله سلوك غيره.."
"الرجال يحملون شعور متناقض تجاه النساء ، فمن جهة تجدين الأب يحب ابنته وهذا طبيعي لكن من جهة ثانية يشعر انها عبء عليه ويخاف لا شعوريا ان تلوث شرفه"
"التحكم بأختك وبنتك وبأمك وزوجتك، تعامل معهم بعنف وقسوة، احرمهم من حقوقهم ، تحكم بحياتهم ، هذا الأشياء مرفوضة من قبل أي شخص سوي لكن في قانون الذكورية هي قمة الرجولة"
"منذ الطفولة تمارس ضغوط الرجولة عليك ؛ أنت رجال عيب تلعب مع البنات ، لا تبكي، لا تخاف ، لا تضعف، لا تستسلم ، لا تفشل، لا تضربك البنت اضربها، لا تسمع كلام مراه... حتى الحيوانات الاليفة يمنع ان تقتنيها وتربيها لأنك رجال، تحمل تركة ثقيلة منذ طفولتك وتتعلم أنه يجب ألا تلتفت لكونك إنسان.."
"أذكر اني كنت ايام المدرسة مثلًا أتعرض للتنمر بسبب ان الطلاب كانوا يعرفون اسم امي. وكانت حاجة مؤذية صراحة انك تتعرض للاستهزاء طول الوقت على شيء انت ما تدري على اي اساس قاعدين يستهزءون فيك بسببه. "
"كمراهق اتعرض لنبذ من كبار العائلة الرجال لأني اتعامل مع امي بشكل غير ذكوري مطلوب أكون عنيف وشرس مع اخواتي وارفض طلبات امي، بكذا أوصل لتطلعاتهم واكسب قبولهم واصير الذكر المسيطر في نظرهم "
" يتعرض المراهق لكل انواع التحرش والعنف ، يتم تبرير العنف من بقية الذكور كفعل رجولي، لا احد يستنكر العنف الممارس في مرحلة المراهقة بل يعتبرونه مرحلة لإثبات الرجولة، أنت كمراهق امام خيارين تكون وحش وتتحرش وتعتدي على كل من هو اضعف منك حتى تثبت لهم انك رجال وتحمي نفسك ، أو تضعف وتصبح لقمة سائغة لهم. وحالات الضعف مثل الضوء الاخضر يحلل لهم فعل كل المحرمات بحقك"
"من المتوقع تقليديًا أن يكون الرجال هم المعيلون الوحيدون لأسرهم وهذا يمكن أن يخلق ضغطًا هائلاً، فاكثر ضرر اواجه كرجل الحمل المادي كاملا علي، اخواتي البنات عندهم رغبة بالعمل – هن مؤهلات للعمل- لكنهم ممنوعات، بكذا صار عندنا طاقات مهدرة في نفس الأسرة "
" حين رفضت ان اتخذ القرارات عن اخواتي وصفت من قبل امي ب "مشكوك برجولتك" ومن حينها وأنا امثل دور من يتخذ القرار عن اخواتي بالاتفاق معهن لتنجح هذه المسرحية امام امي"
" على الرجل عندما يجد فكرة عند زوجته أو أخته ويتبناها ثم يطبقها فيجب إظهار أنه صاحب الفكرة، أن ينجح في مشروع ما وامرأة صاحبة الفكرة ويعلن ذلك فهذا يقلل من قيمته و (رجولته). لابد من نسبة الأفكار لنفسه حتى لا تستنقص رجولته"
"من النصائح وقت الزواج، الانثى لازم تدعسها كون أنت المسيطر أو بتخسر سيطرتك وتكون منت برجال، فالفكر الذكوري يرى الزواج عبارة عن ساحة معركة لفرض سيطرة الذكر"
"إذا أنت تقوم بمساعدة زوجتك بالتنظيف أو الطبخ أو تعتني بطفلك، ينبغي تبقي هالامور سر وإلا سيُطلق عليك مسمى (زوجتك راكبتك)"
"لعل أكبر عبء هو مفهوم الرجولة المشوه، غالباً من يجدونه مختلفاً بتعامله مع أخته أو زوجته يطالبونه بإظهار رجولته، أظهر رجولتك بمعنى قم بإظهار سلطتك عليها ومنعها وتقييدها"
"من أعباء الرجولة أن تكون الحاكم والمتحكم، المسؤول الأول عن أي امرأة تشاركك السكن، أنت رجل يعني مطالب بعيش حياتك وحياتهم في آن واحد."
"الرجولة هي هاجس وضغط اجتماعي قوي له اساس دين، كيف تسمح لزوجتك تعمل بعمل مختلط أو كيف ترضى اختك تسافر لوحدها منت برجال حتى لو مقتنع راح ترضخ لهذا الضغط الاجتماعي الهائل "
"أنا كذكر أشعر اني مُثقل بأعباء قريباتي من الاناث، يعني اخطاء النساء اللي ما تكون مقبولة مجتمعيًا منعكسة علي، لذلك دائمًا تُردّد مقولة "اختي لو تسوي كذا تدفن وجهي بالتراب" اشارة الى أن الذكر مُحمّل مجتمعيًا بأخطاء اناثه اللي ما يقبلها المجتمع، ولهذا تحدث جرائم الشرف، الذكوريّة أهم سبب بجرائم الشرف، ولذلك الذكر دائما ما يتحمّل اخطاء الاناث حفاظًا على صورته المجتمعيّة"
"يتم الضغط على مفاهيم الرجولة في "جرائم الشرف" اللي اسمها الحقيقي جرائم قتل في نطاق الأسرة. يعتبرون الانسان المنتهك عرضه -بحسب تعبيرهم- شخص منبوذ ويتجنبون الجلوس معه والنظر له يتقززون منه وكأنه كومة من القذارة، يتناقلون الكلام حوله وحول اهل بيته، ويصفونه بأبشع ما تسمعه اذن الانسان، ويحرضونه على القتل وإذا رفض استمر الضغط والهجوم عليه والنبذ حتى يؤمن أن الطريقة الوحيدة لكسب رضاهم وقبولهم تكون من خلال قتلها، بعد القتل لا احد يلومه على جريمته بالعكس يصفونه قوي وشجاع مكتمل الرجولة لأنه حقق الرجولة وفق معاييرهم! "
- الحاجة إلى الانتماء: قبل ملايين السنين لم يكن الخطر الحقيقي الذي يهدد أسلافنا الحيوانات المفترسة بل عدم الانتماء إلى المجموعة، فكان النبذ مؤشر لهلاك الفرد، وبدافع غريزة البقاء قامت أجسادنا بصنع ألم نفسي يصيبنا عند النبذ الاجتماعي وهذا الألم يعد تكيف مع البيئة يدفعنا لتحسين تصرفاتنا وتجنب مخالفة المجموعة لضمان البقاء. لذلك كانت الشعوب القديمة ومنها العرب تعاقب من يخالفها بالطرد من القبيلة حتى يلاقي الفرد حتفه. بالرغم أن هذه الآلية كانت جيدة وساعدتنا على البقاء لسنوات إلا أنها اليوم لما تعد مهمة ففي كل بقعة يوجد مجتمعات أخرى يمكنك الانضمام له. ومع تطورنا إلا أن النفس البشرية لا تزال تعمل كما كانت قبل ٥٠٠٠٠ ألف سنة ولا يزال ألم النبذ النفسي يعمل، وهذا الألم النفسي تستغله البطريركية في التحكم بالأفراد، لذا كل من لم يلتزم بالأدوار والتوقعات الذكورية يتعرض لنبذ والإقصاء.
- الإخصاء المعنوي: إثبات الأنوثة عبر التاريخ البشري كان أسهل بكثير من إثبات الرجولة، فبمجرد أن تحدث عملية البلوغ للفتاة يتم الاعتراف بأنها امرأة، لكن بالنسبة لصبي لم يوجد ذلك الحد البيولوجي المفصلي ليثبت انتقاله لمرحلة الرجولة، لهذا قامت الثقافة البشرية بخلق طقوس رمزية لإثبات رجولة المراهق كأن يبارز بالسيف، يدخل في قتال، يصطاد حيوان مفترس، يقفز من فوق النار... إلخ. اليوم لم تعد تلك الطقوس موجودة فأنتقل إثبات الرجولة من خلال ممارسات اجتماعية يلتزم بها الذكر ليثبت رجولته، وبهذا بقية الرجولة حبيسة دائرة شك فلا يمكن تحديد ماهيتها ولا يمكن الوصول لها. وبسب ضبابية مفهوم الرجولة جعل من الممكن لنظام الأبوي التلاعب بها، فتم أعدد مسار ضيق ومحدد لبلوغها ومن يخرج عن ذلك المسار يتم إخصائه معنويا. فالإخصاء المعنوي سكين مسمومة يستخدمها الرجال ضد بعضهم لأجل ضمان بقاء الجميع في المسار المحدد، أنها أشبه بتجربة القرود الخمسة الشهيرة*. فكانت عملية الإخصاء المعنوية فعالة لقرون عديدة لترسيخ بقاء المنظومة قائمة وجعل فعل كل الأشياء الخاطئة صائبة.
- كما كانت المنظومة الذكورية تطلب من النساء إخفاء ذواتهن الحقيقية لإرضاء هشاشة الرجولة، كانت تطلب من الرجال الانفصال عن ذواتهم الحقيقة، وإثبات رجولتهم من خلال التخلي عن فرديتهم وإنكار إنسانيتهم، فيتعلم الشخص كيف ينبغي أن يكون وليس أن يدرك من يكون، وبهذا يكون من السهل تحويل شخص جيد إلى قاتل داخل ذلك النظام الموبؤ، فهو لم يعد سوى جزء صغير بلا معنى، كترس يدور بلا تفكير ولا هدف داخل آلة ضخمة تسيره كما تشاء.
——
*فيديو لشرح تجربة القرود الخمسة
تعليقات
إرسال تعليق