الأسباب الغائبة
كان ينبغي علي قبل الكتابة أن أقيد أشباح ذكرياتي حتى يتسنى لي الحديث بشكل موضوعي، و كان لابد أن أخمد كل مشاعر الغضب والألم بداخلي، لكن عوضًا عن ذلك استحضرت أشباحي ودموعي لترافقني طوال رحلة الكتابة، فلم أرغب بأنّ اقف بمعزل عن الضحايا وأنا جزء منهم، أعرف مقدار الألم والخوف والرعب الذي يسكن بداخل كل امرأة تعرضت للتحرش الجنسي جراء تكذيبها أو ترهيبها أو تهديدها، أعرف أن هناك الكثيرات ممن تعرّضن لتحرّش و التزمن الصمت بسبب الخوف، وأعلم أن الأمر لن يُنتزع بشكل جذري بمجرد سَنّ القوانين، فالتحرّش الجنسي ليس شيئًا يحدث فقط بسبب رغبة عابرة يمكن إيقافها بشكل مباشر وسطحي، بل فعل ينطوي بداخله تاريخ طويل من التراكمات لاحتقار وإذلال المرأة مدفوعٌ باختلال القوة وانعدام المساواة بين الجنسين. ربما يظن البعض أنه نوع من المبالغة حين تصرح بعض النساء أن جميعهن قد تعرضن لمحاولاتٍ عديدة من قبل الرجال لانتهاك اجسادهن واختراق خصوصياتهن، ولكن يصبح الأمر مفهومٌ بالنظر إلى طبيعة العلاقات لدينا التي لا تزال تدار بأسلوب "الطريدة والصياد" أو بالنظر إلى كيفية تعاطي المجتمع مع قضايا التحرّش،