اغلق باب محرابك متى ما أردت
عندما حاولت البحث عن كلمة "تسامح"
في محرّك قوقل ظهرت لي بمعنى شمولي؛ التسامح السياسي، الفكري،
المذهبي. جربت كتابة نقيضها "اللاتّسامح"
ظهرت لي بمعنى رفض الآخر، الكره، العنف، التعصب بأنواعه
أظن أن تلك مراوغةٌ في
المعنى، قبول الآخرين وقبول الاختلاف ليس تسامحٌ كما هو شائع. فالتسامح يُبنى
على ضرورة وجود خطأ، طرف مذنب وطرف يعفو ويصفح، أي أن هناك طرف يملك حق السلطة في
منح المغفرة من عدمها، أما القبول لا يشترط تلك الضرورة، فالاختلاف ليس خطأً يتوجبُ
تكفيرهُ، وعندما تقبل وجود الآخر المختلف فأنت لست في موضعِ السلطة.
القبول يختلف عن
التسامح أنه أشبه بعلاقة الحُبّ بالاحترام، فأنت لست مجبر على حُبّ الجميع -لن
تستطيع حُبّ الجميع بأيّة حال- لكنك مجبر على احترامهم، فأنت مع الآخر المختلف
لست متسامحًا بل متقبل.
لا أريد الحديث عن
تقبُّل الآخر، فقط أريد توضيح الفرق بين التسامح والقبول، ما يهمني هنا هو التسامح
أحاول حصره في نطاقه الضيّق.
التسامح يتيحُ لك
امتلاك سلطةٍ على الآخر وتلك السلطة تتشكّل لديك بعد أن يلحق الآخر بك ضرر، فأذيتك
للآخر تفتح له منفذ سلطةً عليك. لنغلق ذلك المنفذ عمدنا
إلى تجميل فعل المتسامحين بحلي القداسة وأقنعة الملائكة لِنتملّص من تحمل تبعات
أفعالنا، فالقاتل سينجو عندما نرغبُ أهل الميت بفضل العفو ومنزلة فضيلة التسامح،
الأهالي المقصرين والمهملين سينجو من حصادهم التّالف حين نطلب من الأبناء التسامح
مع قسوتهم والإحسان إليهم. نلعب كثيرًا بتلك الحيل
الوضعِيّة لنساعد المذنبين ليتهربوا من أخطائهم، أو لنخفف وطأة عذابات تأنيب
الضمير عنهم.
ستجد ملايين
المواعظ والدروس والطرق حول كيف تصبح متسامح لكن لن تجد من يخبر المتسامحون بألا
يتسامحوا. سنجد الجميع يقول لك أن التسامح فضيلة لكن لن نجد من يشك أنهُ لربما
يكون خطيئة في بعض الأحوال .
نصاب بالدهشة عند رؤية
قدرة البعض الملائكية على تجاوز أخطاء الآخرين ومغفرتها دون أن نتوقف ونسأل هل
لذلك التسامح بُعد مهين؟
هل ينبغي أن نخبر
المتسامحين أن يتوقفوا عن غسل قلوبهم كل ليلةٍ، وألا يمسحوا رفوف ذكرياتهم كل
صباح، ليحتفظوا بقليلٍ من القذارة ليحموا ذواتهم بها، هل نحتاج أن نحذرهم ليتوقفوا
عن فتح معابدهم لاستقبال صلوات المذنبين.
اللاتسامح لا يعني
اللجوء إلى العنف أو الانتقام فتلك الأفعال تعكس نوع من الاهتمام السلبي، نوعًا من
هشاشةِ ما بعد الخسارة.
اللاتسامح
هو أشبه بطقسٍ من اللامبالاة تفرغ الآخر حتى لا يعُدّ له هو وجود أو ثقلٌ في
عالمك، تتخفّفُ من ذكرياته البشعة وصور أفعاله المؤذية.
اللاتسامح ليس نقيض
التسامح بل امتداد له، يحرر ذاتك لكن يبقى سلطتك في عدم اعفاء الآخرين.
اللاتسامح هو ممارسة
حقك في عدم المغفرة واغلاق باب محرابك متى ما أردت، توقف عن تألّيهِ نفسك فحتى
الآلهة لها الحق في عدم المغفرة.
تعليقات
إرسال تعليق