المشاركات

استبداد الذكورية على الرجال

صورة
     منذ أن بدأت اكتب في النسوية، وتركيزي كله منصب على فهم الواقع والمشاكل المحيطة بالمرأة من خلال فهم المرأة، كنت أبحث عن الإجابات في كتب النسويات والنظريات النسوية، أو من خلال الاحتكاك بالنساء والسماع منهن، لكن منذ فترة توقفت وبدأت أفكر بأنني طوال الوقت أبحث في نفس المنطقة التي تبحث فيها غالبية النساء، ربما الإجابة في المنطقة الأخرى في الوكر المحرم علينا نحن النساء الاقتراب منه، ربما من كان جزء من المشكلة هو ايضاً يشكل جزءٍ من الحل. قررت أشمر عن ساعدي وأتوغل في وكر الذكورية لعلي أطلع على فردوسهم الموعود، فلطالما تم تصوير الذكورية في أذهاننا على أنها جنة الرجال وجحيم للنساء، اتفق مع الثانية لكن مع الأولى لدي شك هل حقًا تبدو لهم كالجنة أو هي جنة لدى القلة منهم، أو ربما هي كجنة الأديان مكان يسكن في المخيّال البشري بينما في الواقع لا يوجد إلا الجحيم للجميع. بدأت بسؤال من حولي، وعبر الانترنت. ما ضرر النظام الأبوي عليك كرجل؟ "اعتقد مشكلة الذكورية الأزلية هي القوالب اللي تضع فيها كل جنس. فأنا كرجل يجب أن أكون على الدوام القوي الشجاع القوَّام طوال الوقت. وهذا بحد ذاته مسؤولية غير عادلة،

بخفة الرقص يعاد تشكيل العالم

صورة
  حينما كنت في العاشرة قرأت قصة تدور حول رجل يصعد الجبل، ويفرد ذراعيه كالنسر ويضرب الأرض بقدميه كثور هائج، ثم يبدأ الرقص بحركات غير مألوفة، وحين يعود للقرية ويسأله أهل القرية ماذا فعلت فيجيب: كنت أناجي الله ! شغلت تلك القصة الغريبة عقلي، بدأت أحاول فك شفراتها المستعصية. الرقص يمارس في أكثر اللحظات طيش ولهو، أما الصلاة تقام في أكثر اللحظات جديّة ووقار فكيف تجتمع؟ تجسد أمامي أول تنافر مريع أشهده في حياتي! في اليوم التالي ذهبت للمدرسة مرتابة، وكأني رسول يحمل رسالة سماويّة يتوجب عليه تبليغها. أخبرت صديقاتي أن هناك طقس سري للعبادة وجدته في كتاب قديمٍ محظور، وبدأت أقلد لهم حركات الرجل المجنون التي قرأتها وأبتدع لهم حركات جديدة غير مفهومة، شيئًا فشيئًا انتشرت الرسالة، وأخذت أرقص في كل الزوايا، وازداد عدد المؤمنين والتابعين.   أعجبني الأمر وتحول إلى طقسٍ يومي، كل ما علي فعله ضبط إيقاع الرّوح على خطواتي لتتزامن بنشوة ساحرة، أتحرك وفقًا لغريزتي لم يوجد بذهني أي حركات محددة وكأنني رحّال لا يعلم أين الوجهة كل ما عليه أن يثق بحدسه ويكمل الطريق المجهول.  وصلت دعواتي التبشيرية إلى أبواب الجحيم، تم اس

الجندر وعلاقته بعدم المساواة بين الجنسين

صورة
    عندما أنجبت أختي ابنها الوحيد بعد ثلاث فتيات كانت مهمة تنشئته أشق عليها من ولادته. ولد طفلها في عالم مألوف مثالي متكامل لكنه باللون الوردي، وفي شرع البشرية من الجُرم أن تتلطخ أقدام صبي بذلك اللون.  فبدأت أختي وزوجها بمحاولة تجنيد الطفل المسكين وانتزاعه من عالم أخواته حتى لا يصبح "فتاة" على حد قولهم، وكأن الأعضاء والهرمونات ستتغير بمجرد تغير لون الملابس، فكان هناك ألوان مجرّمة وألعاب محظورة وكلمات محرمة.  نشأ الطفل يلعب متنقلاً بين عالمين متلاصقين، عالم أخواته المألوف الذي يسمح له أن يستأنس به لكن لا يترك آثاره تعلق به وإلا سيحكم عليه بالضلال، وعالم مجهول غريب عنه لم يألفه له قواعد عنيفة، وكلمات قاسية، وممرات وعرة ينبغي عليه أن يعبرها ليثبت استحقاقيته لحمل تلك الكروموسومات. لم تكن أختي وزوجها ذو تصرفات غريبة ربما سردي هو ما جعلها عملية غير مألوفة، لكنها عميلة اعتيادية تجري داخل الأسر، منذ لحظة الولادة ينطلق الوالدين في عملية بناء الذكورة والأنوثة، وتتحول البيوت إلى مختبرات بشرية ضخمة لصناعة قيم وسلوكيات تتناسب مع جنس كل مولود. يكفي أن تسير في الشارع لترى بوضوح نتيجة تلك ال

التفاهة جوهر الوجود

صورة
  "التفاهة هي جوهر الوجود" أخر جملة ختم بها كونديرا كل أعماله. لتتخيّل العالم كما تخيله ميلان كونديرا حفلةً ضخمةً من التفاهةِ، الجميع مدعوُّ للحفلة من عظماء التاريخ، العباقرة، الفلاسفة، الحمقى، الطّغاة، وحتى المشرّدين والمهمشين، والصعاليك والمجانين. يتظاهر الجميع بأن الحفلة لا تنتهي، كل الأحداث تتخذ صورة العبث اللانهائيّ.  المقاعد الأولى ستكون من نصيب ملاك اليقين متلحفين معاطف العقول، يسطعون كنجومٍ تحت هالة الأضواء، أولئك الذين يسعون لترويض العقول كما تروض الحيوانات، يختلقون قضايا وهميّةً لِيثملُون أيّامٍ وسنواتٍ عليها.   يجلس خلفهم حَفنةً من الطفيليين والانتهازيين، يستغلّون كل ما يقوله ويكتبه من سبقهم، يقتاتُون على ما يبصِقُونهُ ذوي المقاعد الأولى،يشربون ما تبقّى في الكؤوس، يدورون في زوبعاتِهم المصطنعة، وحين يصابون بالدّوار يلعنون الوعي.  بقية المقاعد تتكدس بالبسطاء اللامبالين، والحمقى السعداء. عند الأبواب يقف أولئك الذين يرغبون بالخروج مبكرًا  لانعدام رغباتهم في الاستمتاع. بين الزوايا وتحت الظلال يقبع شاردِي الذهن المنهمكين في طحن الأفكار، يتحسسون من الأضواء والمقاعد اللّام

تحليل لتراكمات الثقافية والتاريخية التي ساهمت بانحسار دور المرأة عبر التاريخ

صورة
   "الطريقة الصحيحة للخلق بالنسبة إلى المرأة - أية امرأة - هي رحمها لا عقلها".      يظن الروائي بيامي أن وجود رحم للإنجاب يتنافى مع وجود عقل ينتج، لم يكن الأول أو الوحيد الذي اعتقد أن هناك علاقة عكسية بين وجود الرحم والعقل، فحتى نهاية القرن 19 كان الطب النفسي يعتقد أن هناك مرض عقلي يصيب النساء بسبب وجود الرحم (Female hysteria) ولا يصيب إلا كل امرأة فقدت زوجها أو رفضت سلطة الرجل.  الفقه الإسلامي لم يكن بعيداً عن تلك الافتراضات فهو أيضًا مشحون بالأحكام والتشريعات التي تحمل تصريحات مباشرة لاحتقار المرأة ووصفها بنصف العقل وإشعارها بانعدام الأهلية.   كثيرًا ما تم تبرير الأفعال الذكورية الاقصائية بالاختلاف البيولوجي، وكأن النساء حكم عليهم بالطرد واللعن والإقصاء لأنهن يملكن عضو مختلف عنهم. لماذا امتلاك عضو مختلف يجعل من الحياة صعبة؟  لماذا يقرر كائن آخر أن يربط قيمته وأخلاقه وشرفه بعضو لا يخصه في  جسد آخر ؟  أو لماذا مجتمع كامل يتحولون لكلاب حراسة حول أعضاء نسائهم؟    طوال التاريخ كان الرحم لغز محير للبشرية، ففي الأزمنة الغابرة رفع إلى الألوهية وعبد كالآلهة، وفي أزمنة مظلمة نبذ ولعن

ما الذي يسعدك؟

صورة
     بدأ حديثه لأول مرة بسؤال "ما الذي يسعدك؟"   سؤال يشبه أسئلة أطباء النفس ومطوري الذات، تلك الأسئلة التي لا فائدة منها سوى منح الطبيب دور البطل المنقذ، ليشعر في ختام الجلسة أنه منح طوق النجاة لمريضه وأنار له دهاليز روحه، والواقع أن المريض لا يزال غارقاً بالوحل، متخبط في دوامات قلقه.  لم أكن لحظتها أملك إجابة على سؤاله، لو كان سؤاله "ما الذي يمنحك المتعة؟" لكانت الإجابة أسهل، وكان بإمكاني سرد قائمة طويلة حول أشياء مادية وغير مادية تمنحني المتع المؤقتة، لكن السعادة لا تعني المتعة أو اللذة، ولا تتحقق من خلال إشباع مؤقت لرغبات لحظية.   لا أعلم لماذا أرهقني سؤاله كان مجرد سؤال بسيط من شخصٍ غريب فلما علق بذهني لأيام!   سؤاله العابر جعلني أفتح حقائب ذاكرتي أفتش عن سعادتي، كنت خائفة وقلقة ألا أجد شيء!   أتذكر بداية العشرين مرحلة الشغف والحماس في البحث والتعلم، كانت هناك قاعدة سحرية لتحقيق السعادة تتمثل من خلال إحراز أعلى نقاط في الجوانب التالية: الجانب الذاتي؛ المتمثل في (الروح، والصحة، والجسد، والنفس). والجانب الاجتماعي؛ المتمثل في (العائلة، والأصدقاء، والمهنة).  ولتصل

العبثية الفاخرة

صورة
  كنت  أشاهد لقاء لشخصية نسائية ناجحة في العقد الخامس، تحكي قصة ابتعاثها في وقت كان يحرم على النساء حتى دخول المدارس الابتدائية، بدأت بسرد كيف ساهم أبيها العظيم في نجاحها، كيف وقف أمام القبيلة وأئمة كبار العلماء ليسمح لها بالابتعاث وليس فقط في نيل التعليم الأساسي، لم تكن فرادة القصة ما شدني للكتابة، فجميع قصص النجاح النسائية التي أسمعها من مجتمعنا تكون بنفس النمط المتكرر، الذي يذكر فيه دور الأب كشخصية محورية في تحديد مسار ابنته المهني وحتى الاجتماعي.  ما كان يشدني هي تلك الأسئلة التي غمرتني أثناء المشاهدة، لو كانت شخصية الأب مختلفة هل سيؤثر ذلك على مسار مستقبلها؟ ماذا لو لم يدعمها، ماذا لو وقف مع تقاليد القبيلة، ماذا لو كان الأب يقدس السلطة الدينية حينها؟ هل كنا سنعرف أو نسمع عنها؟ ماذا لو  أخيها رفض ابتعاثها وقرر تزويجها، هل ستكون شخصية عظيمة أم كبقية النساء اللاتي يركن على رفوف الحياة ويطويهم مد النسيان.   بعد اللقاء بأيام وصلت لي الإجابة من خلال حادثة شنيعة لفتاة تدعى"صباح" أشعلت سيرتها تويتر لأيام، كانت صباح بشهادة من حولها فتاة ذكية ولها مستقبل مشرق لكن بمحض الصدفة وعشو