المشاركات

التفاهة جوهر الوجود

صورة
  "التفاهة هي جوهر الوجود" أخر جملة ختم بها كونديرا كل أعماله. لتتخيّل العالم كما تخيله ميلان كونديرا حفلةً ضخمةً من التفاهةِ، الجميع مدعوُّ للحفلة من عظماء التاريخ، العباقرة، الفلاسفة، الحمقى، الطّغاة، وحتى المشرّدين والمهمشين، والصعاليك والمجانين. يتظاهر الجميع بأن الحفلة لا تنتهي، كل الأحداث تتخذ صورة العبث اللانهائيّ.  المقاعد الأولى ستكون من نصيب ملاك اليقين متلحفين معاطف العقول، يسطعون كنجومٍ تحت هالة الأضواء، أولئك الذين يسعون لترويض العقول كما تروض الحيوانات، يختلقون قضايا وهميّةً لِيثملُون أيّامٍ وسنواتٍ عليها.   يجلس خلفهم حَفنةً من الطفيليين والانتهازيين، يستغلّون كل ما يقوله ويكتبه من سبقهم، يقتاتُون على ما يبصِقُونهُ ذوي المقاعد الأولى،يشربون ما تبقّى في الكؤوس، يدورون في زوبعاتِهم المصطنعة، وحين يصابون بالدّوار يلعنون الوعي.  بقية المقاعد تتكدس بالبسطاء اللامبالين، والحمقى السعداء. عند الأبواب يقف أولئك الذين يرغبون بالخروج مبكرًا  لانعدام رغباتهم في الاستمتاع. بين الزوايا وتحت الظلال يقبع شاردِي الذهن المنهمكين في طحن الأفكار، يتحسسون من الأضواء و...

تحليل لتراكمات الثقافية والتاريخية التي ساهمت بانحسار دور المرأة عبر التاريخ

صورة
   "الطريقة الصحيحة للخلق بالنسبة إلى المرأة - أية امرأة - هي رحمها لا عقلها".      يظن الروائي بيامي أن وجود رحم للإنجاب يتنافى مع وجود عقل ينتج، لم يكن الأول أو الوحيد الذي اعتقد أن هناك علاقة عكسية بين وجود الرحم والعقل، فحتى نهاية القرن 19 كان الطب النفسي يعتقد أن هناك مرض عقلي يصيب النساء بسبب وجود الرحم (Female hysteria) ولا يصيب إلا كل امرأة فقدت زوجها أو رفضت سلطة الرجل.  الفقه الإسلامي لم يكن بعيداً عن تلك الافتراضات فهو أيضًا مشحون بالأحكام والتشريعات التي تحمل تصريحات مباشرة لاحتقار المرأة ووصفها بنصف العقل وإشعارها بانعدام الأهلية.   كثيرًا ما تم تبرير الأفعال الذكورية الاقصائية بالاختلاف البيولوجي، وكأن النساء حكم عليهم بالطرد واللعن والإقصاء لأنهن يملكن عضو مختلف عنهم. لماذا امتلاك عضو مختلف يجعل من الحياة صعبة؟  لماذا يقرر كائن آخر أن يربط قيمته وأخلاقه وشرفه بعضو لا يخصه في  جسد آخر ؟  أو لماذا مجتمع كامل يتحولون لكلاب حراسة حول أعضاء نسائهم؟    طوال التاريخ كان الرحم لغز محير للبشرية، ففي الأزمنة الغابرة رفع إل...

ما الذي يسعدك؟

صورة
     بدأ حديثه لأول مرة بسؤال "ما الذي يسعدك؟"   سؤال يشبه أسئلة أطباء النفس ومطوري الذات، تلك الأسئلة التي لا فائدة منها سوى منح الطبيب دور البطل المنقذ، ليشعر في ختام الجلسة أنه منح طوق النجاة لمريضه وأنار له دهاليز روحه، والواقع أن المريض لا يزال غارقاً بالوحل، متخبط في دوامات قلقه.  لم أكن لحظتها أملك إجابة على سؤاله، لو كان سؤاله "ما الذي يمنحك المتعة؟" لكانت الإجابة أسهل، وكان بإمكاني سرد قائمة طويلة حول أشياء مادية وغير مادية تمنحني المتع المؤقتة، لكن السعادة لا تعني المتعة أو اللذة، ولا تتحقق من خلال إشباع مؤقت لرغبات لحظية.   لا أعلم لماذا أرهقني سؤاله كان مجرد سؤال بسيط من شخصٍ غريب فلما علق بذهني لأيام!   سؤاله العابر جعلني أفتح حقائب ذاكرتي أفتش عن سعادتي، كنت خائفة وقلقة ألا أجد شيء!   أتذكر بداية العشرين مرحلة الشغف والحماس في البحث والتعلم، كانت هناك قاعدة سحرية لتحقيق السعادة تتمثل من خلال إحراز أعلى نقاط في الجوانب التالية: الجانب الذاتي؛ المتمثل في (الروح، والصحة، والجسد، والنفس). والجانب الاجتماعي؛ المتمثل في...

العبثية الفاخرة

صورة
  كنت  أشاهد لقاء لشخصية نسائية ناجحة في العقد الخامس، تحكي قصة ابتعاثها في وقت كان يحرم على النساء حتى دخول المدارس الابتدائية، بدأت بسرد كيف ساهم أبيها العظيم في نجاحها، كيف وقف أمام القبيلة وأئمة كبار العلماء ليسمح لها بالابتعاث وليس فقط في نيل التعليم الأساسي، لم تكن فرادة القصة ما شدني للكتابة، فجميع قصص النجاح النسائية التي أسمعها من مجتمعنا تكون بنفس النمط المتكرر، الذي يذكر فيه دور الأب كشخصية محورية في تحديد مسار ابنته المهني وحتى الاجتماعي.  ما كان يشدني هي تلك الأسئلة التي غمرتني أثناء المشاهدة، لو كانت شخصية الأب مختلفة هل سيؤثر ذلك على مسار مستقبلها؟ ماذا لو لم يدعمها، ماذا لو وقف مع تقاليد القبيلة، ماذا لو كان الأب يقدس السلطة الدينية حينها؟ هل كنا سنعرف أو نسمع عنها؟ ماذا لو  أخيها رفض ابتعاثها وقرر تزويجها، هل ستكون شخصية عظيمة أم كبقية النساء اللاتي يركن على رفوف الحياة ويطويهم مد النسيان.   بعد اللقاء بأيام وصلت لي الإجابة من خلال حادثة شنيعة لفتاة تدعى"صباح" أشعلت سيرتها تويتر لأيام، كانت صباح بشهادة من حولها فتاة ذكية ولها مستقبل مشرق ل...

هل عاطفة المرأة تمنعها من تولي المناصب القيادية؟

صورة
     هناك اعتقاد سائد أن النساء كائنات عاطفية بينما الرجال كائنات عقلانية، وبناء على ذلك الاعتقاد فإن المرأة لا تصلح للقيادة ولا لتولي السلطة، لأنها أرق وأضعف من أن تتخذ القرارات المصيرية.   إذن مشكلتهم كما يزعمون ليست نابعة من كونك امرأة بل من عاطفتك. لنفترض أن ذلك الاعتقاد صحيح وأن العاطفة تتعارض مع القيادة، لنثبت صحة افتراضهم نحتاج لوجود شخص ذو معدل ذكاء عالي وقدرات عقلية سليمة ويتمتع بذاكرة جيدة لكن يخلو بشكل تام من العاطفة، إليوت -حالة مرضية لدى طبيب الأعصاب أنطونيو داماسيو- سيكون هو النموذج المثالي لذلك.  كان "إليوت" مصاب بورم في الفص الجبهي (الجزء المسؤول عن المشاعر والوعي بالنفس) من دماغه وبعد استأصل الورم، كانت لا تزال قدراته العقلية سليمة ذاكرته جيدة،  يتحدث بكل عقلانية ووضوح لا تظهر عليه أي أعراض جانبية،  بعد أشهر من الحادثة بدأ يسوء كل شي فتراجع أداءه في العمل، بدأ يهمل حضور الاجتماعات والمواعيد مما أدى في النهاية إلى فقدانه وظيفته، ثم بعد ذلك تورط في طرق مشبوهة لكسب المال انتهى به الأمر إلى الإفلاس.    "إليوت" قبل الورم...

ندبة تتوسط جسدي كنصب تذكاري

صورة
   قبل أن أدخل العملية كان كل ما بداخلي يرتجف، لا أعلم هل مصدر ارتعاشي برودة المكان أو برودة روحي، كل ما أعرفه أنني للحظة شعرت بتقلص كل الأشياء من حولي، شعرت بمزيج من الخوف والتهديد ليس من الموت بل خوفاً من أن تترك مشارط الأطباء أثر على جسدي، لم أكن سأشعر بالجزع لو كان جسدي بين يديّ فنان فهو سيتعامل معه كقطعة فنيّة نادرة، لكنه بين يديّ جزار بهيئة طبيب كل ما يهمه صحتي لن يهتم بإلحاق النقصان بكمالي، بعد أن استعدت وعي ورأيت تلك الندبة البشعة على بطني شعرت أن هناك من تعبث بهويتي.    تردد صوت بداخلي يتساءل كيف أكون على بعد خطوة من شفا هاوية وكل ما يشغل بالي الجسد؟  هل كنت أفضل الموت على أن احمل ندبة صغيرة لا قيمة لها؟ ماذا لو فقدت أحد أعضائي خلال العملية هل ما زلت سأبقى أنا؟   في اللحظة التي تتساوى الأشياء بالعدم تكشف لنا بواطن الأمور هل كنت أعتقد في تلك اللحظة أن "أناي" تنحصر بجسدي! منذ أن تولد الواحدة فينا حتى تموت وهي تخضع لعملية الإنسلاخ من بشريتها، فتنمو على أنها جسد جميل ممزوج بالشر، فتكون مغرية في القصائد، فاتنة في الأغاني، مذنبة في الكتب المقدس...

امرأة قوية

صورة
   حينما أسمع "امرأة قوية" يقفز لذهني ذلك المشهد الصامت المتسرب من الطفولة لامرأة مسنة بملامح قاسية يستند ظهرها على الحائط، منطفئة تمامًا كما لو أن الحياة قررت أن تتوقف بداخلها لتتركها جسد متصنم يحدق في الفراغ. جدتي كانت أكثر البشر صلابة وقوة، كان أبي وأعمامي يخبروني بقصصها التي ظننت أنها حكايات خيالية، فجميع النساء في ذلك الوقت لم يكونوا مثلها، وحين أتساءل يتكرر ذلك الجواب "جدتك رجال" ينسبونها إلى الرجال حينما يصفون قوتها، كان أبي وأعمامي يشاهدون نسائهم وفتياتهم كنساء لكن جدتي تخرج من تلك النظرة، إنها أقرب لمخلوق أسطوري. امتد الأمر لكل من يعرفها ويشاهد أثرها على ملامحنا، أتذكر ذلك المسن من أقاربها في العزاء بدأ يسرد لنا قصصها في صباها حين حملت البندقية لتقاتل مع الرجال، كيف أنها في أحد الأيام حين غدر بهم أحد قطاع الطرق ولم يكن معها سلاح أخذت عمود الخيمة لتدافع به. وذلك الآخر الذي يخبرنا أنها كانت كل يوم تخرج مع أطفالها لمدرستهم وللمسجد وتحرص على العودة بهم إلى المنزل، وكيف أنها تقف مع العمال في بناء منزلها وتشرف عليه بنفسها ولم تطلب المساعدة من أحد، كنت أشعر أنهم ي...