المشاركات

ما الذي يسعدك؟

صورة
     بدأ حديثه لأول مرة بسؤال "ما الذي يسعدك؟"   سؤال يشبه أسئلة أطباء النفس ومطوري الذات، تلك الأسئلة التي لا فائدة منها سوى منح الطبيب دور البطل المنقذ، ليشعر في ختام الجلسة أنه منح طوق النجاة لمريضه وأنار له دهاليز روحه، والواقع أن المريض لا يزال غارقاً بالوحل، متخبط في دوامات قلقه.  لم أكن لحظتها أملك إجابة على سؤاله، لو كان سؤاله "ما الذي يمنحك المتعة؟" لكانت الإجابة أسهل، وكان بإمكاني سرد قائمة طويلة حول أشياء مادية وغير مادية تمنحني المتع المؤقتة، لكن السعادة لا تعني المتعة أو اللذة، ولا تتحقق من خلال إشباع مؤقت لرغبات لحظية.   لا أعلم لماذا أرهقني سؤاله كان مجرد سؤال بسيط من شخصٍ غريب فلما علق بذهني لأيام!   سؤاله العابر جعلني أفتح حقائب ذاكرتي أفتش عن سعادتي، كنت خائفة وقلقة ألا أجد شيء!   أتذكر بداية العشرين مرحلة الشغف والحماس في البحث والتعلم، كانت هناك قاعدة سحرية لتحقيق السعادة تتمثل من خلال إحراز أعلى نقاط في الجوانب التالية: الجانب الذاتي؛ المتمثل في (الروح، والصحة، والجسد، والنفس). والجانب الاجتماعي؛ المتمثل في (العائلة، والأصدقاء، والمهنة).  ولتصل

العبثية الفاخرة

صورة
  كنت  أشاهد لقاء لشخصية نسائية ناجحة في العقد الخامس، تحكي قصة ابتعاثها في وقت كان يحرم على النساء حتى دخول المدارس الابتدائية، بدأت بسرد كيف ساهم أبيها العظيم في نجاحها، كيف وقف أمام القبيلة وأئمة كبار العلماء ليسمح لها بالابتعاث وليس فقط في نيل التعليم الأساسي، لم تكن فرادة القصة ما شدني للكتابة، فجميع قصص النجاح النسائية التي أسمعها من مجتمعنا تكون بنفس النمط المتكرر، الذي يذكر فيه دور الأب كشخصية محورية في تحديد مسار ابنته المهني وحتى الاجتماعي.  ما كان يشدني هي تلك الأسئلة التي غمرتني أثناء المشاهدة، لو كانت شخصية الأب مختلفة هل سيؤثر ذلك على مسار مستقبلها؟ ماذا لو لم يدعمها، ماذا لو وقف مع تقاليد القبيلة، ماذا لو كان الأب يقدس السلطة الدينية حينها؟ هل كنا سنعرف أو نسمع عنها؟ ماذا لو  أخيها رفض ابتعاثها وقرر تزويجها، هل ستكون شخصية عظيمة أم كبقية النساء اللاتي يركن على رفوف الحياة ويطويهم مد النسيان.   بعد اللقاء بأيام وصلت لي الإجابة من خلال حادثة شنيعة لفتاة تدعى"صباح" أشعلت سيرتها تويتر لأيام، كانت صباح بشهادة من حولها فتاة ذكية ولها مستقبل مشرق لكن بمحض الصدفة وعشو

هل عاطفة المرأة تمنعها من تولي المناصب القيادية؟

صورة
     هناك اعتقاد سائد أن النساء كائنات عاطفية بينما الرجال كائنات عقلانية، وبناء على ذلك الاعتقاد فإن المرأة لا تصلح للقيادة ولا لتولي السلطة، لأنها أرق وأضعف من أن تتخذ القرارات المصيرية.   إذن مشكلتهم كما يزعمون ليست نابعة من كونك امرأة بل من عاطفتك. لنفترض أن ذلك الاعتقاد صحيح وأن العاطفة تتعارض مع القيادة، لنثبت صحة افتراضهم نحتاج لوجود شخص ذو معدل ذكاء عالي وقدرات عقلية سليمة ويتمتع بذاكرة جيدة لكن يخلو بشكل تام من العاطفة، إليوت -حالة مرضية لدى طبيب الأعصاب أنطونيو داماسيو- سيكون هو النموذج المثالي لذلك.  كان "إليوت" مصاب بورم في الفص الجبهي (الجزء المسؤول عن المشاعر والوعي بالنفس) من دماغه وبعد استأصل الورم، كانت لا تزال قدراته العقلية سليمة ذاكرته جيدة،  يتحدث بكل عقلانية ووضوح لا تظهر عليه أي أعراض جانبية،  بعد أشهر من الحادثة بدأ يسوء كل شي فتراجع أداءه في العمل، بدأ يهمل حضور الاجتماعات والمواعيد مما أدى في النهاية إلى فقدانه وظيفته، ثم بعد ذلك تورط في طرق مشبوهة لكسب المال انتهى به الأمر إلى الإفلاس.    "إليوت" قبل الورم كان شخص ناجح ملتزم بعمله شخص جدير

ندبة تتوسط جسدي كنصب تذكاري

صورة
   قبل أن أدخل العملية كان كل ما بداخلي يرتجف، لا أعلم هل مصدر ارتعاشي برودة المكان أو برودة روحي، كل ما أعرفه أنني للحظة شعرت بتقلص كل الأشياء من حولي، شعرت بمزيج من الخوف والتهديد ليس من الموت بل خوفاً من أن تترك مشارط الأطباء أثر على جسدي، لم أكن سأشعر بالجزع لو كان جسدي بين يديّ فنان فهو سيتعامل معه كقطعة فنيّة نادرة، لكنه بين يديّ جزار بهيئة طبيب كل ما يهمه صحتي لن يهتم بإلحاق النقصان بكمالي، بعد أن استعدت وعي ورأيت تلك الندبة البشعة على بطني شعرت أن هناك من تعبث بهويتي.    تردد صوت بداخلي يتساءل كيف أكون على بعد خطوة من شفا هاوية وكل ما يشغل بالي الجسد؟  هل كنت أفضل الموت على أن احمل ندبة صغيرة لا قيمة لها؟ ماذا لو فقدت أحد أعضائي خلال العملية هل ما زلت سأبقى أنا؟   في اللحظة التي تتساوى الأشياء بالعدم تكشف لنا بواطن الأمور هل كنت أعتقد في تلك اللحظة أن "أناي" تنحصر بجسدي! منذ أن تولد الواحدة فينا حتى تموت وهي تخضع لعملية الإنسلاخ من بشريتها، فتنمو على أنها جسد جميل ممزوج بالشر، فتكون مغرية في القصائد، فاتنة في الأغاني، مذنبة في الكتب المقدسة، مُدانة بموجب الأعراف والتق

امرأة قوية

صورة
   حينما أسمع "امرأة قوية" يقفز لذهني ذلك المشهد الصامت المتسرب من الطفولة لامرأة مسنة بملامح قاسية يستند ظهرها على الحائط، منطفئة تمامًا كما لو أن الحياة قررت أن تتوقف بداخلها لتتركها جسد متصنم يحدق في الفراغ. جدتي كانت أكثر البشر صلابة وقوة، كان أبي وأعمامي يخبروني بقصصها التي ظننت أنها حكايات خيالية، فجميع النساء في ذلك الوقت لم يكونوا مثلها، وحين أتساءل يتكرر ذلك الجواب "جدتك رجال" ينسبونها إلى الرجال حينما يصفون قوتها، كان أبي وأعمامي يشاهدون نسائهم وفتياتهم كنساء لكن جدتي تخرج من تلك النظرة، إنها أقرب لمخلوق أسطوري. امتد الأمر لكل من يعرفها ويشاهد أثرها على ملامحنا، أتذكر ذلك المسن من أقاربها في العزاء بدأ يسرد لنا قصصها في صباها حين حملت البندقية لتقاتل مع الرجال، كيف أنها في أحد الأيام حين غدر بهم أحد قطاع الطرق ولم يكن معها سلاح أخذت عمود الخيمة لتدافع به. وذلك الآخر الذي يخبرنا أنها كانت كل يوم تخرج مع أطفالها لمدرستهم وللمسجد وتحرص على العودة بهم إلى المنزل، وكيف أنها تقف مع العمال في بناء منزلها وتشرف عليه بنفسها ولم تطلب المساعدة من أحد، كنت أشعر أنهم ي

صورة المرأة في الأدب والفن

صورة
    مرت أسابيع وأنا أقرأ مذكرات سيلفيا شعرت وأنا أقرأها بشعور مُهيب، كيف لامرأة من القرن الماضي عاشت وماتت في قارة تبعد عني بعد المشرق عن المغرب، أن تفهم أفكاري ومخاوفي ومشاعري وكأنها تتلصّص علي من مكان وزمن مختلف لتكتب عني لا عنها!  راودني ذات الشعور مع مذكرات سيمون "فتاة ملتزمة" ومع مذكرات إِليف شفق "حليب أسود" جميعها كانت مذكرات لنساء يختلفن معي باللغة والثقافة ونتباعد زمنياً ومكانياً لكن بطريقة ما أشعر أن هناك خيوط رفيعة تربطني بهم.  يحدث الأمر ذاته حين أتفحص بشكل عشوائي حسابات بعض النساء التي تكون بعيدة عن الضجيج وأنوار الشهرة، من يتَّخِذن ركناً قصِيًّا ليكتبن فيه عن أنفسهن، فأجد نفسي بوسط تلك الكلمات، أفهم غضبهم ومخاوفهم، أشعر بحبهم وغيرتهم، أُدرك مقاومتهم لفقدان الأمل ومحاولاتهم العابثة لترميم الذات.   بعد الانتهاء من مذكراتها كتبت عنها بحسابي على تويتر، فنصحني أحد المتابعين بفيلم يحكي عنها، توجهت مباشرة لمتابعته لكن الصدمة أن الفيلم صنع نسخة واحد من سيلفيا النسخة الأسوأ، صورها كامرأة غيورة ناقمة غاضبة، تجاهل جميع صراعاتها، تجاهل رحلة محاولاتها لفهم ذاتها، قد

بقعة سوداء عالقة في الذاكرة

صورة
         يحترق جسدك داخل مكان مغلق ولا يوجد إلا باب واحد للخروج، يقف أمام الباب رجل مجنون لا يتزحزح عن مكانه يحاول إبقائك داخل النيران، بحجة أنك لا ترتدي "قبعة"!  وحين تقاوم وتحاول الهروب من الموت يقف لك بالمرصاد ويدفعك للجحيم لتعود وتحترق لأجل قطعة قماش يقدسها أكثر من روحك، ويعتبرها بطاقة عبورك ونجاتك من الموت، وأي محاولة إنسانية خارجية تقترب لمساعدتك تُعتبر إثم وجريمة في دستوره، تشاهد من معك بالداخل يختنقون ويذوبون وسط النيران كأوراق متطايرة، تصاب بالذعر فترمي بنفسك من النافذة للنجاة، يقف الجميع في الخارج صمٌ بكمٌ غير مبالين لاستغاثاتك وصرخاتك، وقبل أن ترتطم بالأرض تسمع هتافات الحمقى "ليحترق ولا تسقط عن رأسه القبعة المقدسة" تلاقي حتفك لأجل أن تحافظ على قداسة أفكارهم الملوثة بالدماء.            هذا ما حدث في عام 2002 لمدرسة المتوسطة للبنات في مكة، قتلت خمسة عشرة طالبة وأصيبت خمسين أخريات تتراوح أعمارهن بين الثانية عشرة والسابعة عشرة، بسب حريق كان من الممكن إنقاذهم، لكنهم أُجبروا على البقاء داخل المدرسة المشتعلة ولم يسمحوا لهن بالمغادرة لأنهن لا يرتدين الحجاب، ومنع