المشاركات

امرأة قوية

صورة
   حينما أسمع "امرأة قوية" يقفز لذهني ذلك المشهد الصامت المتسرب من الطفولة لامرأة مسنة بملامح قاسية يستند ظهرها على الحائط، منطفئة تمامًا كما لو أن الحياة قررت أن تتوقف بداخلها لتتركها جسد متصنم يحدق في الفراغ. جدتي كانت أكثر البشر صلابة وقوة، كان أبي وأعمامي يخبروني بقصصها التي ظننت أنها حكايات خيالية، فجميع النساء في ذلك الوقت لم يكونوا مثلها، وحين أتساءل يتكرر ذلك الجواب "جدتك رجال" ينسبونها إلى الرجال حينما يصفون قوتها، كان أبي وأعمامي يشاهدون نسائهم وفتياتهم كنساء لكن جدتي تخرج من تلك النظرة، إنها أقرب لمخلوق أسطوري. امتد الأمر لكل من يعرفها ويشاهد أثرها على ملامحنا، أتذكر ذلك المسن من أقاربها في العزاء بدأ يسرد لنا قصصها في صباها حين حملت البندقية لتقاتل مع الرجال، كيف أنها في أحد الأيام حين غدر بهم أحد قطاع الطرق ولم يكن معها سلاح أخذت عمود الخيمة لتدافع به. وذلك الآخر الذي يخبرنا أنها كانت كل يوم تخرج مع أطفالها لمدرستهم وللمسجد وتحرص على العودة بهم إلى المنزل، وكيف أنها تقف مع العمال في بناء منزلها وتشرف عليه بنفسها ولم تطلب المساعدة من أحد، كنت أشعر أنهم ي

صورة المرأة في الأدب والفن

صورة
    مرت أسابيع وأنا أقرأ مذكرات سيلفيا شعرت وأنا أقرأها بشعور مُهيب، كيف لامرأة من القرن الماضي عاشت وماتت في قارة تبعد عني بعد المشرق عن المغرب، أن تفهم أفكاري ومخاوفي ومشاعري وكأنها تتلصّص علي من مكان وزمن مختلف لتكتب عني لا عنها!  راودني ذات الشعور مع مذكرات سيمون "فتاة ملتزمة" ومع مذكرات إِليف شفق "حليب أسود" جميعها كانت مذكرات لنساء يختلفن معي باللغة والثقافة ونتباعد زمنياً ومكانياً لكن بطريقة ما أشعر أن هناك خيوط رفيعة تربطني بهم.  يحدث الأمر ذاته حين أتفحص بشكل عشوائي حسابات بعض النساء التي تكون بعيدة عن الضجيج وأنوار الشهرة، من يتَّخِذن ركناً قصِيًّا ليكتبن فيه عن أنفسهن، فأجد نفسي بوسط تلك الكلمات، أفهم غضبهم ومخاوفهم، أشعر بحبهم وغيرتهم، أُدرك مقاومتهم لفقدان الأمل ومحاولاتهم العابثة لترميم الذات.   بعد الانتهاء من مذكراتها كتبت عنها بحسابي على تويتر، فنصحني أحد المتابعين بفيلم يحكي عنها، توجهت مباشرة لمتابعته لكن الصدمة أن الفيلم صنع نسخة واحد من سيلفيا النسخة الأسوأ، صورها كامرأة غيورة ناقمة غاضبة، تجاهل جميع صراعاتها، تجاهل رحلة محاولاتها لفهم ذاتها، قد

بقعة سوداء عالقة في الذاكرة

صورة
         يحترق جسدك داخل مكان مغلق ولا يوجد إلا باب واحد للخروج، يقف أمام الباب رجل مجنون لا يتزحزح عن مكانه يحاول إبقائك داخل النيران، بحجة أنك لا ترتدي "قبعة"!  وحين تقاوم وتحاول الهروب من الموت يقف لك بالمرصاد ويدفعك للجحيم لتعود وتحترق لأجل قطعة قماش يقدسها أكثر من روحك، ويعتبرها بطاقة عبورك ونجاتك من الموت، وأي محاولة إنسانية خارجية تقترب لمساعدتك تُعتبر إثم وجريمة في دستوره، تشاهد من معك بالداخل يختنقون ويذوبون وسط النيران كأوراق متطايرة، تصاب بالذعر فترمي بنفسك من النافذة للنجاة، يقف الجميع في الخارج صمٌ بكمٌ غير مبالين لاستغاثاتك وصرخاتك، وقبل أن ترتطم بالأرض تسمع هتافات الحمقى "ليحترق ولا تسقط عن رأسه القبعة المقدسة" تلاقي حتفك لأجل أن تحافظ على قداسة أفكارهم الملوثة بالدماء.            هذا ما حدث في عام 2002 لمدرسة المتوسطة للبنات في مكة، قتلت خمسة عشرة طالبة وأصيبت خمسين أخريات تتراوح أعمارهن بين الثانية عشرة والسابعة عشرة، بسب حريق كان من الممكن إنقاذهم، لكنهم أُجبروا على البقاء داخل المدرسة المشتعلة ولم يسمحوا لهن بالمغادرة لأنهن لا يرتدين الحجاب، ومنع

مواعيدي مع الموت

صورة
منذ لحظة لقائي بالحياة وأنا على مواعيد مستمرة مع الموت، كنت على حافة العدم مرتين.  ‏المرة الأولى وأنا ابلغ من العمر ثلاثة أشهر طاف شبح الموت حولي، وطاف بي أبي سبعين طوافاً حول المشافي، استنجد بكل طبيب، لكنهم كانوا زمرةً ماكرة يّوحى إليهم من شيطانٍ مكيد، ألقى على ألسنتهم تعويذة الموت "لن تعيش طويلاً"  بدأت طبول الخيبة تُقرع، وطقوس الفقد تمارس فوق جسدي، حتى حضرت تلك العجوز  وأخذت تتفحصني كخرقة بالية بين كفّيها وتمسح جسدي بأوراق سدر محترقة، وتلقي بالآيات والتعاويذ لتطرد أشباح العالم السفلي من حولي.  لا أحد يعلم كيف نجوت بعد ذلك اليوم، هل تلك المسنة منحتني سنواتها المتبقية، أو تلك الأوراق الخضراء وهبتني سر الحياة قبل أن تحترق! المرة الثانية حين رأيت البحر لأول مرة وأنا سبع سنوات، لفرط حبي قررت أن أعانقه، دخلت البحر وخيَّل لي أنني قطرة ماء وأن البحر موطني الأم وأن روحي الإنسيابية خلقتها آلهة البحر.  رأيت النجوم ترقص تشع تحت الماء، لم أشعر بعدها إلا بيداً قوية تنتزعني من أعجوبتي المائية وتعيدني للأرض الملعونة.  لحظة أنقذني أبي من الغرق ظن أني فارقت الحياة وأنا كنت فقط أحاول اصطياد

العلاقات بين الجنسين

صورة
   بنظرة متفحصة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي سنجد أكثر الموضوعات تداولاً هي "العلاقات بين الجنسين" المفارقة أن أغلب تلك العلاقات يغلب عليها السُمّية، والنصائح المتصدرة من الإستشارات على CuriousCat قائمة على التحريض والإنفصال أو على سرديات لعلاقات مؤذيّة! بالرغم من غرقنا بالعلاقات وهوسنا بها إلا أننا أقل فهم لماهيتها، تعود أسباب امتلاكنا مصادر سيئة لفهم العلاقات إلى: أولاً: العلاقات بين الجنسين في ثقافتنا قائمة على القانون شرعي لا على الإلتزام الأخلاقي، والقانون تتمثل مهمته في الردع لا التعليم، والأخلاق تحتاج إلى تعلم وفهم حتى تردع الإنسان، وبالتالي نشأ مجتمع مهمتهم إتباع القواعد والسلوك لا الإلتزام أخلاقياً. ثانياً: إنعدام التفكير الأخلاقي جعل أساس التواصل بين الجنسين قائم على إنعدام الثقة، والتجرد من احترم الاخر، علاقات قائمة على اللذة المؤقتة التي يمكن إنهاؤها متى نشاء بلا إلتزامات أخلاقية ولا تحمل آثاراً جانبية. ثالثاً : العلاقات ترتكز على معادلة "اختلال توازن القوى" أحدى طرفيها المانح المُستغِل، و الآخر العاجز الاتكالي،  وبناءاً على ذلك المفهوم استمر المجتم

هل أخطأ الإله حين منح النساء عقول

صورة
"اليوم فقدت عملي، هنا لا يهم أن تفقد المرأة عملها فهو مجرد تسلية، لا ينظر لعملنا ودراستنا بالنظرة الجادّة كما ينظر لأعمالهم" هذا ما قالته صديقتي بعد أن فقدت عملها خلال أزمة كورونا، فما كان من زوجها إلا أن يمنحها تلك المواساة الباردة "وظيفتك على أيّةِ حال لم تكن مهمة وفقدانها خيرة لأجل أن يتسنّى لك العناية بالأطفال"     موقف صديقتي أعاد لي شي من ذكريات الطفولة، في طفولتي كان من عادة أبي وعمي إجراء مسابقات تعليمية بين الأطفال، كان الفوز في الأغلب من نصيبي كنت قادرة على هزيمة حتى الأكبر مني سناً من الصبيان، كنت أشاهد نظرة الفخر بعين أبي بالرغم أنه فخر باهِت، وأسمع صوت عمي يتردد "ليت الله عطى عقلها لواحد من خوانها" شعرت أنه يحاول سرقة جزء مني، وكأنه يطلب أن أنتزع أحد أعضائي لعدم استحقاقي لها، فحين تكون الملكية للمرأة يصبحون اشتراكيين وحين تكون للرجل يتحولون لرأسماليين.  حاولت طوال عمري احارب لأثبت أحقيتي لهذا العقل كطير يحلق كل يوم بلا هدف ليثبت للعالم أحقيته بالطيران، لكن محاولاتي اشبه بنقل صوتي عبر الفراغ، سحقت ذاتي في مجتمع يهدر طاقة النساء ثم يلومهم على ذل

الأخلاق النسوية

صورة
     ما دفعني لكتابة هذا المقالة والبحث عن موضوع "الأخلاق النسوية" هي قصة الشيخة/ جوزاء بندر التمياط، تلك السيدة النبيلة كانت من أشهر نساء حائل في القرن الماضي، عُرفت بحكمتها وكرمها ونبلها وقوة شخصيتها، كانت امرأة محبة قوية ومؤثرة في مجتمعها، كان لها مجلسها الخاص جيثُ يجتمع فيه رجال قبيلتها ونسائهم، و يلجؤون إليها لحل مشاكلهم ومساعدة المحتاجين وعتق الرقاب.  بعد وفاة زوجها سعود الرشيد تزوجت من فهد بن هذال وحينما أدرك حسن أفعالها وكرمها لدرجة مساواتها له بالنبل بادر بطلاقها، وحينما سئل عن سبب الطلاق أجاب بلهجته "ما يجتمع شيخين في بيتٍ واحد".  التعليق المعتادة على تلك القصص "الرجال ما يملى عينهم إلاّ تراب" لكنني لا أريد أن أكتب أو أفكر بطريقة اعتيادية، لذا حاولت أن أفهم لماذا لا نتساوى في الأخلاق؟  لماذا هناك قصص تحكي عن كرم ونبل الرجال، بينما النساء يحكى عنهم قصص الحياء والصبر والتضحية بالنفس لأجل الآخر؟ لماذا هناك أخلاق تعتبر فضيلة حين توصف بها النساء لكنها حينما تنسب للرجال تعتبر رذيلة؟ كالحياء والرعاية والمرونة والعطف وغيرها.. أن الأخلاق ترتكز بشكل أساسي