المشاركات

تأملات في الذكاء الاصطناعي

صورة
                       في (٢٠١٥م) نشرت الصحيفة البريطانية (The sun)  تغريدة عن إمكانية إقامة علاقة جنسية مع الروبوتات، بعد ثمان سنوات في شهر مايو من (٢٠٢٣م) تم إعادة تداول التغريدة بين المغردين مُبشرين بقرب تحقيق الحلم. الصحيفة البريطانية لم تكن أول من طرح الفكرة، فقد تناقلت العديد من الأعمال السينمائية والأدبية، والصحف والمجلات العالمية هذه الفكرة بتوقعات خيالية و آمال حالمة و مزاعم متباينة، أقرب الأعمال السينمائية واقعية في تجسيد مستقبل علاقة الإنسان مع الروبوتات كان الفيلم الألماني (I'm your man _2021) الذي سأستند على شخصياته و أحداثه خلال هذه المقالة لتقريب الصورة للقارئ. أهم الشخصيات بالفيلم "ألما" البشرية و "توم" الذكاء الاصطناعي المتجسد في صورة بشري. "توم" يبدو كإنسان لدرجة لا تكاد تفرق بينه و بين الإنسان حقيقي؛ يملك جسد من السليكون يشبه إلى حد كبير الجسد البشري في ملمسه و شكله الخارجي، يملك حواس تعمل بإتقان كما تعمل حواسنا فيستشعر الضوء و الصوت ليستجيب لهما بشكل تلقائي، ليس هذا فحسب، فقد كان يمتلك صوتًا بلكنة و نبرة تألفها الأذن البشرية ليس صوت

أشلاء

صورة
رفعت رأسها قليلًا بعينين مثقلتين يشقّ عليها فتحهما، نظرت والألم يثقل جفنها، فإذ بشخص غريب بمعطف أبيض وشعر أسود يتخلله بعض البياض يجلس أمام سريرها الذي يكاد غطاؤه ينزلق عنها، فقالت في نفسها: "إنني أهذي، ليس ما أراه حقيقيًّا"، فأغلقت عينيها لعله يتبدد كخيط دخان في السماء.  عاد صوته الثقيل يتدفق بالمكان ويخترق مسامعها، بدا لها صوتًا مثيرًا لكنه غير مألوف، ففكرت: "هذا صوت غير مألوف، و هلاوسي لا تجلب لي إلا من تألفهم نفسي، ربما لأول مرة تصيب حواسي وتخيب هلاوسي"، فتحت عينيها للتأكد أنه لم يكن حلمًا أو نوبةً من نوبات هلاوسها المعتادة.  نظر إليها الطبيب مبتسمًا وقال: "الحمد لله على سلامتك".   قالت بنفسها: "ما الذي حدث لي؟"، نظرت إلى معصمها الذي يلتف حوله الشاش وكأنه يعانقه، فتذكرت أرضية حمامها الباردة التي تشكلت بدمائها الدافئة، تذكرت مرآة الحمام التي نظرت إليها بتمعن قبل أن تودعها، تذكرت قطع ملابسها التي قررت أن تتحرر منها للأبد، تذكرت لمعان الشفرة الذي تلألأ على سطح الماء.  قاطع صوته جلسة استحضارها للذكريات وقال:   - يبدو أن سؤالي مزعج، لكن لابد أن أعر

الأسباب الغائبة

صورة
           كان ينبغي علي قبل الكتابة أن أقيد أشباح ذكرياتي حتى يتسنى لي الحديث بشكل موضوعي، و كان لابد أن أخمد كل مشاعر الغضب والألم بداخلي، لكن عوضًا عن ذلك استحضرت أشباحي ودموعي لترافقني طوال رحلة الكتابة، فلم أرغب بأنّ اقف بمعزل عن الضحايا وأنا جزء منهم، أعرف مقدار الألم والخوف والرعب الذي يسكن بداخل كل امرأة تعرضت للتحرش الجنسي جراء تكذيبها أو ترهيبها أو تهديدها، أعرف أن هناك الكثيرات ممن تعرّضن لتحرّش و التزمن الصمت بسبب الخوف، وأعلم أن الأمر لن يُنتزع بشكل جذري بمجرد سَنّ القوانين، فالتحرّش الجنسي ليس شيئًا يحدث فقط بسبب رغبة عابرة يمكن إيقافها بشكل مباشر وسطحي، بل فعل ينطوي بداخله تاريخ طويل من التراكمات لاحتقار وإذلال المرأة مدفوعٌ باختلال القوة وانعدام المساواة بين الجنسين.       ربما يظن البعض أنه نوع من المبالغة حين تصرح بعض النساء أن جميعهن قد تعرضن لمحاولاتٍ عديدة من قبل الرجال لانتهاك اجسادهن واختراق خصوصياتهن، ولكن يصبح الأمر مفهومٌ بالنظر إلى طبيعة العلاقات لدينا التي لا تزال تدار بأسلوب "الطريدة والصياد" أو بالنظر إلى كيفية تعاطي المجتمع مع قضايا التحرّش،

اغلق باب محرابك متى ما أردت

صورة
      عندما حاولت البحث عن كلمة "تسامح" في  محرّك قوقل ظهرت لي بمعنى شمولي؛ التسامح السياسي، الفكري، المذهبي.  جربت كتابة نقيضها "اللاتّسامح" ظهرت لي بمعنى رفض الآخر، الكره، العنف، التعصب بأنواعه أظن أن تلك مراوغةٌ في المعنى، قبول الآخرين وقبول الاختلاف ليس تسامحٌ كما هو شائع. فالتسامح  يُبنى على ضرورة وجود خطأ، طرف مذنب وطرف يعفو ويصفح، أي أن هناك طرف يملك حق السلطة في منح المغفرة من عدمها، أما القبول لا يشترط تلك الضرورة، فالاختلاف ليس خطأً يتوجبُ تكفيرهُ، وعندما تقبل وجود الآخر المختلف فأنت لست في موضعِ السلطة. القبول يختلف عن التسامح أنه أشبه بعلاقة الحُبّ بالاحترام، فأنت لست مجبر على حُبّ الجميع -لن تستطيع حُبّ الجميع بأيّة حال- لكنك مجبر على احترامهم، فأنت مع الآخر المختلف لست متسامحًا بل متقبل. لا أريد الحديث عن تقبُّل الآخر، فقط أريد توضيح الفرق بين التسامح والقبول، ما يهمني هنا هو التسامح أحاول حصره في نطاقه الضيّق. التسامح يتيحُ لك امتلاك سلطةٍ على الآخر وتلك السلطة تتشكّل لديك بعد أن يلحق الآخر بك ضرر، فأذيتك للآخر تفتح له منفذ سلطةً عليك. لنغلق ذلك المنف

الأمومة الموحشة

صورة
   "ولادة الطفل تعني موت والديه" هيغل        لا نتحدث كثيرًا عن الوجه البشع للأمومة، نحاول إخفائه بالقناع المقدس التقليدي أو بالصورة الحديثة المزركشة بالعلم، نتجاهل عمدًا السراديب المظلمة للأمومة، نقذف الأمهات داخلها ونتركهن يخضن صراعاتهن وحيدات ومن حولهن كائنات ملائكية صغيرة تمتصهن بشراسة مرهفة. الأمومة التقليدية: عندما نجرب إزالة القناع المقدس للأمومة سنجد خلفه أمهات منهكات يدورون داخل دوامات من الإحباط والقلق دون إفصاح، يواجهن علاقات متوترة مع أطفالهن ولا يستطعن البوح بها، لأن المجتمع حكم على الأمومة بالغريزة القائمة على الحب اللامشروط والتضحية اللامحدودة، وأن الأم لا بد من أن يخلو قلبها من كل المشاعر الإنسانية السلبية.  سنعثر على أمهات يتعاملن مع الطفل كمشروع خاص تملكه، تثقله بكل رغباتها وأحلامها وأخطائها وعيوبها، تستلهم قيمتها من خلاله ولا تفصله عنها ككيان مستقل بل تظن أنه امتداد لوجودها، فهي لا تكتفي بالأنا الخاصة بها ولا ترى لوجودها غاية سوى من خلاله، فتنذر نفسها لأجله بكل حب كما أخبرها دينها وثقافة مجتمعها، وحين لا يحقق الابن أو الابنة أحلامها يصبح رمزًا للعقو

استبداد الذكورية على الرجال

صورة
     منذ أن بدأت اكتب في النسوية، وتركيزي كله منصب على فهم الواقع والمشاكل المحيطة بالمرأة من خلال فهم المرأة، كنت أبحث عن الإجابات في كتب النسويات والنظريات النسوية، أو من خلال الاحتكاك بالنساء والسماع منهن، لكن منذ فترة توقفت وبدأت أفكر بأنني طوال الوقت أبحث في نفس المنطقة التي تبحث فيها غالبية النساء، ربما الإجابة في المنطقة الأخرى في الوكر المحرم علينا نحن النساء الاقتراب منه، ربما من كان جزء من المشكلة هو ايضاً يشكل جزءٍ من الحل. قررت أشمر عن ساعدي وأتوغل في وكر الذكورية لعلي أطلع على فردوسهم الموعود، فلطالما تم تصوير الذكورية في أذهاننا على أنها جنة الرجال وجحيم للنساء، اتفق مع الثانية لكن مع الأولى لدي شك هل حقًا تبدو لهم كالجنة أو هي جنة لدى القلة منهم، أو ربما هي كجنة الأديان مكان يسكن في المخيّال البشري بينما في الواقع لا يوجد إلا الجحيم للجميع. بدأت بسؤال من حولي، وعبر الانترنت. ما ضرر النظام الأبوي عليك كرجل؟ "اعتقد مشكلة الذكورية الأزلية هي القوالب اللي تضع فيها كل جنس. فأنا كرجل يجب أن أكون على الدوام القوي الشجاع القوَّام طوال الوقت. وهذا بحد ذاته مسؤولية غير عادلة،