المشاركات

هي ...

صورة
  أراقب من بعيد وبهدوء، ثم أختار من يرتقي ليكون الأنِيس لوحدتي، هكذا اصطفيت جلّ صداقاتي وعلاقاتي، إلاّ هي. هي من لعبت دور الإله بدلاً عني، هي من اصطفتني دون العالمين. لا أتذكر لحظة لقائنا الأول، لكنها لا تنفك عن تذكري بتلك اللحظة وكيف لا تزال محفورةً بأدق تفاصيلها في ذاكرتها، تتفاخر بسردها أمام كل عابر وغريب. و كلما سردت تلك اللحظة السرمدية، توهجت عيناها ابتهاجًا لم تَذوي السنين وهّجه. بحسب روايتها، اختارت أن أكون صديقتها منذ اليوم الأول الذي دخلنا فيه مدرسة المتوسطة كطالبات جديدات، وقفت عند الباب مذعورة، بوجه شاحب وخطى مرتابة، بجانبي أمي التي تحمل ملفًا أخضر كبيرًا. تقول: "لفت نظري كيف لم تكوني تلبسين عباية! نظرت إليك وإلى نفسي، كنا نحمل نفس الاسم وبنفس العمر وبنفس الطول، فلماذا كنت ألتف بالسواد أما أنتِ فلا؟ تفحصت بإعجاب فستانك القصير، وشعرك المسرح بعناية، وحلمت كل ليلة أن أملك ذاك الفستان." - تخرجنا من الجامعة وهي لا تزال تذكر لي ذلك الفستان الذي لا أتذكره، ولا أعلم لما رسخ بقوة أحفوريّة بذاكرتها - في هذه اللحظة ابتدأ كل شيء بالنسبة لها. في الصف، جلست في المقعد الذي أمامها

البرمجة منتج نسائي استحوذ عليه الرجال

صورة
جراء مزحة ساخرة أطلقها أحد الزملاء قائلا : (البرمجة هو المجال الوحيد اللي ما يقدر يقول فيه الرجال للمرأة : " يلا على المطبخ ") علقت فكرة البحث عن الأسباب لأسابيع في عقلي، وعلمت أنها لن تتلاشى ويهدأ لي بال، حتى أفهم ما المقصود من ذلك. فقادني البحث إلى اسم المرأة التي كان لها الفضل في ابتكار البرمجة، و كانت في طليعة النساء اللواتي لهم الفضل في التقدم البرمجي الكبير. لقد كان مألوفًا أن يوجد اسم امرأة واحدة، لكنه من غير المألوف أن يكون قدم السبق لأكثر من ذلك العدد، فكلما توسعت في البحث اكتشفت عشرات النساء اللاتي مهدن الطريق للبرمجة الحديثة، حتى انتهى بي البحث أن توصلت لنتيجة مفادها:  أن حقبة تاريخية كاملة كانت البرمجة فيها عمل نسائي! طوال حياتي لم يتبادر لذهني بأن هناك مجال هام وحديث تأسس على أيدي النساء، ربما لأن أذهاننا اعتادت على أن ننظر للإنجازات العلمية وكأنها جزء من طبيعة مهام وأنشطة الرجل، لذا نظرنا لإنجازات النساء كحالات شاذة، فلم نسلط الضوء عليها إلا بشكل خافت؛ ولهذا سأحاول اليوم أن أسلط الضوء بشكل كافي على أولئك النساء المنسيات وعلى تلك الزوايا التاريخية المهملة. النساء

تأملات في الذكاء الاصطناعي

صورة
                       في (٢٠١٥م) نشرت الصحيفة البريطانية (The sun)  تغريدة عن إمكانية إقامة علاقة جنسية مع الروبوتات، بعد ثمان سنوات في شهر مايو من (٢٠٢٣م) تم إعادة تداول التغريدة بين المغردين مُبشرين بقرب تحقيق الحلم. الصحيفة البريطانية لم تكن أول من طرح الفكرة، فقد تناقلت العديد من الأعمال السينمائية والأدبية، والصحف والمجلات العالمية هذه الفكرة بتوقعات خيالية و آمال حالمة و مزاعم متباينة، أقرب الأعمال السينمائية واقعية في تجسيد مستقبل علاقة الإنسان مع الروبوتات كان الفيلم الألماني (I'm your man _2021) الذي سأستند على شخصياته و أحداثه خلال هذه المقالة لتقريب الصورة للقارئ. أهم الشخصيات بالفيلم "ألما" البشرية و "توم" الذكاء الاصطناعي المتجسد في صورة بشري. "توم" يبدو كإنسان لدرجة لا تكاد تفرق بينه و بين الإنسان حقيقي؛ يملك جسد من السليكون يشبه إلى حد كبير الجسد البشري في ملمسه و شكله الخارجي، يملك حواس تعمل بإتقان كما تعمل حواسنا فيستشعر الضوء و الصوت ليستجيب لهما بشكل تلقائي، ليس هذا فحسب، فقد كان يمتلك صوتًا بلكنة و نبرة تألفها الأذن البشرية ليس صوت

أشلاء

صورة
رفعت رأسها قليلًا بعينين مثقلتين يشقّ عليها فتحهما، نظرت والألم يثقل جفنها، فإذ بشخص غريب بمعطف أبيض وشعر أسود يتخلله بعض البياض يجلس أمام سريرها الذي يكاد غطاؤه ينزلق عنها، فقالت في نفسها: "إنني أهذي، ليس ما أراه حقيقيًّا"، فأغلقت عينيها لعله يتبدد كخيط دخان في السماء.  عاد صوته الثقيل يتدفق بالمكان ويخترق مسامعها، بدا لها صوتًا مثيرًا لكنه غير مألوف، ففكرت: "هذا صوت غير مألوف، و هلاوسي لا تجلب لي إلا من تألفهم نفسي، ربما لأول مرة تصيب حواسي وتخيب هلاوسي"، فتحت عينيها للتأكد أنه لم يكن حلمًا أو نوبةً من نوبات هلاوسها المعتادة.  نظر إليها الطبيب مبتسمًا وقال: "الحمد لله على سلامتك".   قالت بنفسها: "ما الذي حدث لي؟"، نظرت إلى معصمها الذي يلتف حوله الشاش وكأنه يعانقه، فتذكرت أرضية حمامها الباردة التي تشكلت بدمائها الدافئة، تذكرت مرآة الحمام التي نظرت إليها بتمعن قبل أن تودعها، تذكرت قطع ملابسها التي قررت أن تتحرر منها للأبد، تذكرت لمعان الشفرة الذي تلألأ على سطح الماء.  قاطع صوته جلسة استحضارها للذكريات وقال:   - يبدو أن سؤالي مزعج، لكن لابد أن أعر

الأسباب الغائبة

صورة
           كان ينبغي علي قبل الكتابة أن أقيد أشباح ذكرياتي حتى يتسنى لي الحديث بشكل موضوعي، و كان لابد أن أخمد كل مشاعر الغضب والألم بداخلي، لكن عوضًا عن ذلك استحضرت أشباحي ودموعي لترافقني طوال رحلة الكتابة، فلم أرغب بأنّ اقف بمعزل عن الضحايا وأنا جزء منهم، أعرف مقدار الألم والخوف والرعب الذي يسكن بداخل كل امرأة تعرضت للتحرش الجنسي جراء تكذيبها أو ترهيبها أو تهديدها، أعرف أن هناك الكثيرات ممن تعرّضن لتحرّش و التزمن الصمت بسبب الخوف، وأعلم أن الأمر لن يُنتزع بشكل جذري بمجرد سَنّ القوانين، فالتحرّش الجنسي ليس شيئًا يحدث فقط بسبب رغبة عابرة يمكن إيقافها بشكل مباشر وسطحي، بل فعل ينطوي بداخله تاريخ طويل من التراكمات لاحتقار وإذلال المرأة مدفوعٌ باختلال القوة وانعدام المساواة بين الجنسين.       ربما يظن البعض أنه نوع من المبالغة حين تصرح بعض النساء أن جميعهن قد تعرضن لمحاولاتٍ عديدة من قبل الرجال لانتهاك اجسادهن واختراق خصوصياتهن، ولكن يصبح الأمر مفهومٌ بالنظر إلى طبيعة العلاقات لدينا التي لا تزال تدار بأسلوب "الطريدة والصياد" أو بالنظر إلى كيفية تعاطي المجتمع مع قضايا التحرّش،